الضرر الذي يصيب الشبكات المعلوماتية، يأتي نتيجة لتهديدات الفضاء الافتراضي‏ ويدمر الأهداف الحيوية الموجودة في الفضاء الطبيعي، مثل تخريب أجهزة القيادة والسيطرة الخاصة بالطائرات‏ والقطارات والسفن وتوليد الانفجارات في شبكات الطاقة

منذ 22 مارس 1945م والجامعة العربية تحتفل في منتصف شهر مارس من كل عام بمضي عام آخر على توقيع ميثاقها وتأسيس كيانها وتفاقم مشاكل شعوبها. بعد 66 عاماً من (العمل المُتواصل) لتوحيد الصف و(السهر المُضني) للدفاع عن المصالح، احتفل العالم العربي هذا العام بنجاح (خبرائه) في اختيار موهبته من خلال قمة الأغنية العربية، ذلك في الوقت الذي احتفلت دول العالم الأخرى بنجاح خبرائها في فك أسرار تغريد أنظمتها المعلوماتية من خلال قمة الحرب الإلكترونية.
بعد الهجوم الإلكتروني في العام الماضي لفيروس ستاكسنت ضد المنشآت النووية الإيرانية، الذي تسبب بإصابة وتعطيل أكثر من ثلاثين ألف جهاز حاسوبي، بدأت دول العالم في التسابق لامتلاك أسرار الحرب الإلكترونية.
أثناء قمة الأغنية العربية، كان خبراء العالم يعقدون اجتماعهم لدراسة كيفية تعزيز إمكاناتهم الدفاعية لحماية شبكات دولهم الإلكترونية ومكافحة الاختراقات الأمنية. قام الخبراء بعرض الخطط الاستراتيجية اللازمة لإنشاء ترسانة حصونهم الدفاعية لصد البرمجيات الخبيثة وتأمين الشفرات المعلوماتية. انتهت القمة العربية كما بدأت، بينما انتهى اجتماع الخبراء ليصبح مستقبل الحرب الإلكترونية جاهزاً لاختراق أنظمة الصواريخ والقطاعات الحيوية داخل الدول التي تعتمد على الأنظمة الحاسوبية.
وفقاً لشركة بت ديفندر الرومانية الشهيرة في معالجة ومحاربة الفيروسات الإلكترونية، فإن البرمجيات الخبيثة المستخدمة في الحرب الإلكترونية سوف تزيد بنسبة 23% في عام 2012 إلى 90 مليون برنامج، أي أكثر بحوالي 17 مليونا مقارنة بنهاية عام 2011.
في استطلاع أجرته في العام المنصرم، أكدت شركة ماكفي الأمنية الدولية أن إسرائيل أصبحت من الدول الرائدة في هذا المجال. قامت الشركة في سياق استطلاعها، باستشارة 80 من المتخصصين في الوقاية من الحرب الإلكترونية بالإضافة إلى مقابلة 35 من زعماء الدول في العالم. كشف الاستطلاع أن كلا من السويد وفنلندا وإسرائيل تقع في المرتبة الأولى من ناحية الاستعدادية للهجمات الإلكترونية، في حين جاءت أمريكا وبريطانيا في المرتبة الثانية وروسيا والصين في المرتبة الثالثة والرابعة على التوالي، وتجاهل الاستطلاع كافة الدول العربية.
خلال الاستطلاع، كان 57% من الزعماء والاستشاريين يؤمنون أن سباق التسلح في ميدان شبكة الإنترنت مهم جداً ولا يقل أهمية من الدفاع بالوسائل العادية. كما أن 36% منهم يؤمن بأن الوقاية من الحرب الإلكترونية أهم من الوقاية من الصواريخ والطائرات الحربية، فيما أعرب 45% منهم عن اعتقادهم بأن تأمين الحواسيب أمر لا يقل أهمية عن تأمين حدود الدولة.
أشار الاستطلاع إلى أن تطور أجهزة الحاسب والاتصالات عبر السنوات تزامن بشكل كبير مع ازدياد مشاكل أمن المعلومات كالاختراقات والفيروسات. لذا باتت مصادر ازدياد هذا الخطر متعددة ومتنوعة في العام الماضي لازدحامه بالبرمجيات الخبيثة مثل حصان طروادة بنسبة فاقت 76%. وأكدت التقارير الناتجة عن الاستطلاع أن 10 برمجيات خبيثة فقط استحوذت على أعلى نسبة انتشار بين الحاسوبات لتؤدي إلى 50% من الإصابات القاتلة. كما أن 26% من البرمجيات الخبيثة تم إطلاقها في العام الماضي بمعدل 150 ألف برنامج يومياً.
في العام الماضي حققت الصين أعلى معدلات الإصابة بالفيروسات بنسبة 63%، حيث احتوت 4% من الرسائل الإلكترونية على 44% من هذه البرمجيات الخبيثة، بينما فاقت مواقع وسائط الفيديو على 25% من هذه البرمجيات.
في الوقت الذي تنهمك الدول العربية باستخدام الأقمار الاصطناعية لنقل مسلسلاتها المتخلفة وأغانيها المبتذلة وحواراتها البالية ونتائج اجتماع جامعتها المكررة، تقوم الدول الأخرى بتسخير هذه الأقمار لنقل وسائل السيطرة والتحكم لمعظم عملياتها الحربية وآلياتها الهجومية والدفاعية إلى العالم الافتراضي. ومن خلال الاستخدام الأمثل للحاسبات الإلكترونية وشبكات تقنية المعلومات تصبح الجغرافية الجديدة الافتراضية لكافة المسارات والقطاعات محكومة بإطار قواعد حقبة جديدة من الحرب الإلكترونية الغائبة عن دولنا العربية.
بنهاية العام الماضي أدرك البيت الأبيض أنه مهدد بفقدان تفوقه المعلوماتي، فبادر الرئيس الأمريكي بتشكيل قيادة مركزية موحدة للحرب الإلكترونية إلى جانب القيادات العسكرية الأخرى، وستنفق أمريكا 10 مليارات دولار سنوياً على الأمن الإلكتروني.
وردا على الإجراءات الأمريكية أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية عن إنشاء وزارة الدفاع الصينية لفرقة الجيش الأزرق، وهي إدارة خاصة لحماية الفضاء الإلكتروني الخاص بشبكة المعلومات الصينية على الإنترنت، والعمل على زيادة مستوى أمنها.
الضرر الذي يصيب الشبكات المعلوماتية في الدول، يأتي نتيجة لتهديدات الفضاء الافتراضي‏ ويدمر الأهداف الحيوية الموجودة في الفضاء الطبيعي، مثل تخريب أجهزة القيادة والسيطرة الخاصة بالطائرات‏ والقطارات والسفن وتوليد الانفجارات في شبكات الطاقة والغاز والوقود‏. جميع هذه الأضرار تحدث بسبب اعتماد هذه النظم على المعلومات التي تم اختراقها وتغييرها أو تدميرها بواسطة الفيروسات والبرمجيات الخبيثة.‏
في شهادته أمام الكونغرس‏،‏ اعترف رئيس أجهزة الأمن القومي الأمريكي في الأسبوع الماضي، بأن زيادة التواصل بين شبكات المعلومات والإنترنت والبنية التحتية الموجودة في الفضاء الافتراضي، تتيح للأعداء قطع الاتصالات‏ وإعطاب شبكات الكهرباء والطاقة والبنوك‏‏.
وفي حديثه عن التحديات التي يواجهها جهاز الأمن الإسرائيلي، قال رئيس الشاباك في نوفمبر 2010م، إن وسائط الإنترنت متوفرة للجميع من خلال خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات، مشيراً بذلك للمخاطر الناجمة عن إمكانية مهاجمة مواقع الشبكة العنكبوتية لجهازه وتهديد الأمني القومي لإسرائيل.
متى تجتمع الجامعة العربية لوضع استراتيجية محكمة للحرب الإلكترونية القادمة؟