يتحتم التنسيق بين وزارة الداخلية ومؤسة النقد ومصلحة الزكاة والدخل لمراقبة التحويلات الخارجية ومنع وحجز أي تحويلات خارجية تزيد عن دخل الفرد العادي، مع دراسة إمكانية فرض رسوم على جميع التحويلات الخارجية

هذا الصباح، وكل صباح وفي طريقنا للعمل، نشاهد ونلاحظ تجمعات العمالة السائبة التي تبحث عن عمل بالساعة أو اليوم أو غير ذلك من الترتيبات.. عمالة سائبة تقدم جميع أنواع الخدمات من خدمات حفر وكهرباء ومياه وتلفونات ونجارة وزراعة وغيرها.. عمالة سائبة بالعشرات وبالآلاف في الشوارع الرئيسية في كل مدينة، تعمل دون تنظيم ودون مرجعية ودون مراقبة ودون عقود، فهل هذه ممارسة أعمال وعمالية مقبولة؟ وما المحاذير والمخاطر والخسائر الأمنية والاقتصادية؟ وهل هذه الممارسات موجودة في الدول المتقدمة؟
لا نرى عمالة سائبة في شوارع واشنطن أو شوارع لندن أو شوارع سول.. ظاهرة قد نراها في مدن أخرى ولكن ليس في الدول المتقدمة. والغريب أن الكثير يستعين بهؤلاء العمالة السائبة، يدخلونها بيوتهم لإصلاح صنابير المياه أو إصلاح عطل كهربائي أو بناء ملحق خارجي، ومؤسسات وشركات تجارية تستعين بها كعمالة من الباطن. ومرة أخرى، كل هذا بدون هوية محددة ولا مرجعية ولا تنظيم ولا عقود.
من الواضح أن المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية يتحملها المواطنون والمقيمون الذين يتعاملون ويتعاطون مع خدمات العمالة السائبة بالدرجة الأولى.. مشاكل تتمثل في خلافات في النواحي المالية، رداءة في التنفيذ والجودة، مبالغة في الأسعار، مشاكل إيذاء جسدية محتملة من جراء التعامل مع غرباء دون مرجعية معرفة وموثقة، مشاكل تتعلق بالشكل الحضاري المشوه للمدينة جراء تكدس وانتشار هذه العمالة، وغيرها من المشاكل المحتملة والطبيعية لانتشار مثل هذه المشاكل.
العمالة السائبة ليست مواطنين سعوديين، وإلا لكان لنا حديث آخر، العمالة السائبة ليست إلا عبارة عن مجموعة من أفراد أجانب من جنسيات مختلفة قدمت للمملكة من خلال حصولها على تصاريح قدوم كعمالة فيز عمالة، أو نتيجة لتخلف بعضها عن الحج أو العمرة، مما يعني أن كل عامل من العمالة السائبة مرتبط بكفيل، فكيف يسمح لهم الكفلاء – أفراداً كانوا أم مؤسسات تجارية – بالعمل في الشوارع والطرقات؟ وكيف يسمح لهم بمخالفة الأنظمة والتشريعات؟ ولماذا لا تطبق عليهم الجزاءات والعقوبات؟
وزارة التجارة والصناعة، ووزارة العمل، والهيئة العامة للاستثمار، والجوازات والبلديات وأمانات المدن، وغيرها من الجهات الحكومية تتحمل مسؤولية ما يحدث من انتشار العمالة السائبة ولكن بدرجات مختلفة، فالجوازات على سبيل المثال تتحمل تبعات التقصير والمبالغة في إصدار الفيز من قبل وزارة العمل، وكذلك، وبدرجة أعلى، هيئة الاستثمار التي تمنح فيزا وبأعداد كبيرة لما يسمى مستثمرين أجانب، لا يقدمون للوطن لا استثمارات حقيقية سواءً مالية أو معرفية أو حتى قدرات وكفاءات أجنبية عالية الجودة، وإنما هم مستثمرون أجانب يستفيدون من طريقة تنفيذ أنظمة الاستثمار الأجنبي وأنظمة العمل والعمال، سواءً تلك التابعة للهيئة العامة للاستثمار أو وزارة العمل في الحصول على خيرات البلد وجلب عمالة وافدة وتشغيلها في الشوارع أو في المؤسسات التجارية من خلال العقود من الباطن وتحويل مئات المليارات، وقد تصل لأكثر من تريليون ريال سنوياً للخارج، مما يؤثر سلباً على الدورة الاقتصادية للدولة.
كنا في السابق نتحدث عن ظاهرة تستر المواطن على الأجنبي، والآن تعدينا هذه المرحلة، وأصبحنا نرى ونسمع بظاهرة تستر الأجنبي على الأجنبي، وهي ظاهرة أعظم وأخطر على أمن واقتصاد البلد، وجل ما نخشاه أن ننتقل أيضاً إلى ظاهرة تستر الأجنبي على المواطن!
نعم، هناك ظاهرة العمالة السائبة وينبغي أن نعترف بها أولاً، وإلا فلا فائدة من عرض ومناقشة الحلول، وإذا قبلنا بأن هناك مشكلة وشخصناها بشكل صحيح وحددنا مصادرها، عندها يمكن التحدث عن الحلول، وهي حلول عملية يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. إصدار تنظيم يمنع الاستعانة بالعمالة السائبة سواءً من الأفراد أو من المؤسسات التجارية، مع فرض وتحصيل غرامات عالية تبدأ بمبالغ عالية لكل عامل يتم الاستعانة به، مئة ألف ريال مثلاً.
2. شن حملات مستمرة من قبل الشرطة أو الجهات الأمنية ذات العلاقة لمنع العمالة السائبة من التجمعات، وتحميل موكليهم تكاليف ترحيلهم لبلدانهم، مع فرض غرامات وجزاءات عالية على العامل والكفيل نتيجة هذه المخالفات.
وقد يكون من المناسب في هذا السياق، العمل على تشكيل فريق عمل مشترك بين الجهات ذات العلاقة وخصوصاً وزارة الداخلية ووزارة العمل ووزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية لوضع خطة عمل مشتركة تبدأ بالحصول على معلومات حول حجم القوى العاملة الأجنبية ونسبة السائبة والمتخلفة منها، مع تحديد جدول زمني للانتهاء من مشكلة العمالة السائبة بشكل مبدئي، على أن تعتبر هذه الخطة وهذه المهمة خطة وطنية مهمة لمصلحة ومستقبل البلد.
3. إعادة تنظيم طريقة إدارة ومنح فيز العمالة من خلال إعادة تفعيل مجلس القوى العاملة، بحيث يتم وضع آلية مركزية مشددة تتبع لوزارة الداخلية تضمن عدم صدور أي تأشيرة استقدام إلا بعد ضمان وجود حاجة عملية لصاحب العمل، مع عدم الإضرار بالمصلحة العامة.
4. التنسيق بين وزارة الداخلية ومؤسسة النقد ومصلحة الزكاة والدخل لمراقبة التحويلات الخارجية ومنع وحجز أي تحويلات خارجية تزيد عن دخل الفرد العادي، مع دراسة إمكانية فرض رسوم على جميع التحويلات الخارجية بواقع نسبة معينة، مثل 40%، وهو إجرء تقوم به الدول المتقدمة على دخول الأفراد، وذلك من خلال فرض ضرائب تصل إلى هذه النسبة، وبحيث تتم الاستفادة من هذه الرسوم بالصرف على الفقراء من ناحية ودعم أبناء وبنات المملكة في مجالات التوظيف من ناحية أخرى.
هذه بعض المقترحات التي يمكن العمل عليها للتعامل مع مشكلة العمالة السائبة، وهي مدخل ومقدمة ومطلب للتعامل بجدية وقوة مع المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للعمالة الأجنبية والبطالة المتزايدة في أبناء وبنات البلد.