لا أتطلع لنتائج وتوصيات مغايرة تخرج بها القمة العربية التي تعقد في بغداد، لكنني أتطلع للمحاولة الجادة التي ترعاها بعض الدول العربية لإعادة بغداد والعراق لمحيطها العربي وإخراجها قدر الإمكان من الهيمنة الإيرانية الفاقعة..

تنعقد القمة العربية الجديدة غداً في بغداد..
ونقول الجديدة لأنها جديدة بالفعل في كل ملامحها؛ فهي أول قمة عربية تنعقد في بغداد تحت حكم نظام ما يسمى بدولة القانون (!!!)، وهي أول قمة عربية تقام في العراق خلال أكثر من عقدين، وأول قمة في العراق من بعد صدام حسين الذي رأس آخر قمة عربية في العراق تحت تهديد مسدسه الذي كان يعبر عن عجرفة الدكتاتور المتسـلط والمتطلب الذي يـفرض آراءه وطلبـاته ولا يعرضها للتداول والنقاش.
أيضاً فقمة بغداد جديدة في بعض أنظمة دولها العربية، وجديدة في بعض حكامها الذين تغيروا خلال عامنا المنصرم، وجديدة في مستوى التمثيل.
قمة بغداد تحضر في غياب عدد من الرؤساء والحكام العرب الذين طبعوا بصماتهم من خلال حضورهم للقمم العربية السابقة خلال ما يفوق العقود الثلاثة.. حتى قيل مع بداية الربيع العربي ومع سقوط الرئيس التونسي زين العابدين ثم الرئيس المصري حسني مبارك من باب السخرية إن القمة العربية القادمة ستكون قمة عربية للتعارف.
لما قيلت هذه التشنيعة كان الشارع العربي يعيش حالة من الذهول وعدم التصديق.. كان الشارع العربي مأخوذا بما يحدث ومندهشا لهذا التهتك والسقوط السريع والمريع لأنظمة كانت تعرف بالانضباطية والصرامة والتماسك.. ذلك ما كان يعرف به النظام البوليسي التونسي.. وذلك أيضاً ما كان يعرف به النظام العسكري المصري، لكن الرياح جرت بما ليس في حسبان العابدين ولا مبارك، ولا حتى في حسبان الشعوب العربية ولا محلليها السياسيين ولا قراء الواقع العربي ولا مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية.
هذا السقوط التونسي والمصري المفاجئ لم يسمح بتصور أن نفس المآل والنتيجة يمكن أن تحدث لطاغية متفرد ومتشبث مثل معمر القذافي، لكن الواقع أخذ في استيلاد الصعب.. وما كان يُظن أنه المستحيل.. فاجتث الرئيس الأقدم والأطغى والأشرس معمر القذافي بصورة لم ترد في مخيلة كل العارفين ببواطن وخوافي الأمور.
في الأثناء نفسها كان الرئيس الأدهى علي عبدالله صالح يقاوم فكرة التنحي ويلعب لعبة قفز الحبال.. والاستغماية.. والتوافق والنكوص.. والرضا والرفض.. والقبول ثم النقض، بل إنه زاد عندما احترق ونجا من الموت الذي خطف نائبه وعددا من رفاقه، لكنه أخيراً اختار التنحي والاعتزال.
إنهم أربعة من أعرق الحكام العرب، والمقصود هنا بأعرقهم أن كراسي الحكم والسلطة قد نزفت عرقاً من طول ما جثموا على كواهل ومقدرات شعوبهم وأوطانهم.
القمة العربية في بغداد جديدة جداً وهي تنعقد برئيس جديد يمثل تونس.. وعسكري جديد يمثل مصر.. ووجه مختلف يمثل ليبيا.. ووجه منتخب يمثل اليمن.
قمة بغداد جديدة بالمرة حيث تغيب عنها سورية التي تعيش حالة مخاض عسيرة محاولة منها لاستيلاد حكم جديد يليق بالقمة العربية الجديدة في العام القادم.
إنني كمواطن عربي لا أتطلع لنتائج وتوصيات مغايرة تخرج بها القمة العربية التي تعقد في بغداد، لكنني أتطلع للمحاولة الجادة التي ترعاها بعض الدول العربية لإعادة بغداد والعراق لمحيطها العربي وإخراجها قدر الإمكان من الهيمنة الإيرانية الفاقعة.
لقد بات الصراع العربي الفارسي على تنازع الهيمنة والولاء مكشوفاً، فإيران تجاهر بمد يدها والتدخل في الشأن العربي من المحيط إلى الخليج بعد غفوة عربية طالت، فيما كانت إيران تسعى لتحقيق أجندتها المتمثلة في تصدير ثورتها وأفكارها التي تسعى لخلخلة المفاصل العربية من خلال إيقاظ هاجس الطائفية وربط الشيعة العرب بالمرجعية الإمامية الاثني عشرية وولاية الفقيه.
إن معركة كسر العظم بين الهيمنة الإيرانية واليقظة العربية صارت واضحة ومعلنة، وسنرى كيف تكون نتائج قمة بغداد التي تعيش وضعاً أمنياً مهتزاً، لكنها تسيطر على محيط القمة بحراسة إيرانية مشددة!
الأمل عندي لم ينعقد أبداً على أي قمة عربية سابقة تبعاً لوجود القادة الطغاة.. أما وقد رحل معظمهم فإن أملي يتطلع للقمة العربية القادمة التي ستعقد في العام القادم وحينها سيكون الربيع العربي -غالباً - قد أورق واخضر وستكون تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية قد دخلت مرحلة جديدة مغايرة تماماً ومتنحية بعيداً عن سوابق الطغاة.. على نحو يزرع الأمل في عالم عربي جديد.. متغير.. ومتطور لتكون قمة الغياب هذا العام قمة الحضور في العام القادم.