تشق الطرق جسد الأرض منذ دبت عليها الكائنات، بعض تلك الطرق يمضي في استقامة صارمة تماماً كما تقطع الرصاصة وجهتها إلى هدفها، لا تحيد عنه قيد أنملة، كالطرق التي شقها الإنسان بين المدن، وشبيهتها المارة فوق البحر وفي الجو، وأنفاق قطارات الميترو تحت الأرض، وعلى جانب آخر هناك الطرق الملتفة، تستقيم حينا ثم تعود لتأخذ التفافة شبه دائرية، تتفادى بها تضاريس صعبة أو منشآت شيدها البشر، ومنها طرق متعرجة تسلكها الحيوانات والدواب حين تغدو صباحا لتبحث عن رزقها، وتعود عشية إلى أكنانها، يمكن أن نلمح الطرق المتعرجة في الجبال والسهول والصحاري، وربما توارت عنا في باطن الأرض على هيئة جحور وممرات، لمخلوقات تتحاشى حرارة الشمس وبطش الكائنات الأقوى.
لطالما طبعنا خطواتنا صغارا على الطرق، نستيقظ نحن والشمس، نسابق العصافير نشاطاً وانطلاقاً، تأخذنا الدروب إلى المدرسة، كل درب يسلكه عدد من أصدقائنا، وساحة المدرسة وفصولها مكان اللقاء اليومي، وفي المساء موعد جديد مع اللعب، تحملنا إليه طرق أخرى، بعضها يؤدي إلى حديقة أو ملعب أو ساحة للّعب، مضت الأعوام كالأحلام، وصار الأطفال شبابا، غادروا أماكن اللعب ومراتع الطفولة، بعضهم رحلوا إلى مدن بعيدة، من دروب عديدة، يصنعون لأنفسهم حياة جديدة، ويحققون ما حلموا به ذات يوم، ذرّت السوافي على خطوات الأطفال، درسَت معالمها، فصارت أثرا بعد عين، واختفت الآثار من الطرقات، محتها السنون المتعاقبة، وحفظها الزمان في أضابير الذكريات.
الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين، هذا بحسب علم الهندسة، وهو واقع الحال في خطوط الحياة ودروبها، فالصدق أقرب طريق بين قلبين، ومهما طالت دروب الكذب تبقى قصيرة، وأكثرها متعرج حافل بالوعثاء وكآبة المنظر وسوء المنقلب، مع نهاية غير سارة في الانتظار، ويمكن أن يُعذر المخطئ إذا أخطأ، أما الكاذب فيصعب على النفس غفران ما اقترفه من كذب، خاصة إذا تكرر منه السير في درب التزييف وأصرّ عليه، وما أجمل المشي في سبيل الصدق ولزوم جادته، ويكفي وعد الرحمن في قوله عز وجل: ﴿والذي جاءَ بالصدقِ وصَدّقَ بهِ أولئكَ هُمُ المتقون لهم ما يشاؤون عندَ ربِّهِم ذلكَ جزاءُ المتقِين﴾.
هناك عبارة قديمة واقعية، مفادها أن جميع الطرق مكتوب عليها: هدئ السرعة، إلا الطريق إلى الله تعالى مكتوب عليه: ﴿وسارِعوا إلى مغفرةٍ مِن ربِّكم وجنةٍ عَرْضها السماواتُ والأرضُ أُعِدّت للمتقين﴾.
وما أجمل القدوم إلى السميع العليم في السراء اعترافاً وشُكرا لأفضاله التي لا تُحصى، وفي الضراء لجوءاً إلى واسع رحمتِه وطلبا لكشف الهموم، وما سارع أحد بأحزانه وحاجاته إلى خالقه وعاد خائبا، وهو سبحانه من دعانا إلى المسارعة والمسابقة إليه، فلن يردّنا دون أن يقضي حوائجنا، ويسمع نداء أصواتنا وخفقات قلوبنا المملوءة بحبه وخشيته، وما أفدح خسارة من صم أذنيه عن النداء الإلهي، وسلك طريقاً يزيده بُعداً عن العزيز الرحيم.
في روايته البديعة: بلدي، يتحدث أديب داغستان الكبير «رسول حمزاتوف» حديثاً عميقاً مؤثراً عن بلاده ونفسه وعائلته، يخبرنا أنه حين كان يافعا، ووالده ما يزال حيا، اتجه لقرية مجاورة، وانعطف عن الطريق العام ليسلك الطريق الجبلي الذي شقه والده، فرآه أحد سكان الجبل وقال له: اترك طريق والدك لوالدك، وابحث لنفسك عن طريقٍ آخر، طريق خاص بك.
نصيحة ثمينة من رجل كبير لشاب صغير، يمكن أن تستمر صلاحيتها باستمرار الحياة، بأن يشق الشاب الطموح طريقا خاصا به، يمثل شخصيته وأفكاره، وتظهر فيه شجاعته بانتصاره على التحديات، ويحصد ثمرة نجاحه بتحقيق أحلامه، نابذا عنه الكسل والخمول والافتخار بما حققه والده فقط.
يا رفيق الحرف، ليس من الضروري أن تُقحم خطواتك في طريق مُهلكة، لتثبت للغير إقدامك، سيكون فعلك ضربا من الحماقة مع توفر الطريق السهلة، ولعلك تتذكر المثل القائل: اختر الطريق السهلة ولو طالت؛ لأنك إذا اخترت الدرب القصير الشاق، ستدفع ثمن التأخير من جهدك ووقتك وتكاليف إصلاح وسيلة النقل لاحقا، كالطالب الذي يختار قسما صعبا في الجامعة ليرضي والديه أو يرضي غروره الشخصي، وهو يعلم أن قدراته العقلية تؤهله لاجتياز تخصص أسهل، ومع ذلك يغامر بسنين طويلة ليحصل على الشهادة الجامعية، وقد يحصل عليها متأخرا أو لا ينالها أبدا، ولو تأكد مما يحمله من زاد معرفي لحسب حساباته بصورة أفضل.
لطالما طبعنا خطواتنا صغارا على الطرق، نستيقظ نحن والشمس، نسابق العصافير نشاطاً وانطلاقاً، تأخذنا الدروب إلى المدرسة، كل درب يسلكه عدد من أصدقائنا، وساحة المدرسة وفصولها مكان اللقاء اليومي، وفي المساء موعد جديد مع اللعب، تحملنا إليه طرق أخرى، بعضها يؤدي إلى حديقة أو ملعب أو ساحة للّعب، مضت الأعوام كالأحلام، وصار الأطفال شبابا، غادروا أماكن اللعب ومراتع الطفولة، بعضهم رحلوا إلى مدن بعيدة، من دروب عديدة، يصنعون لأنفسهم حياة جديدة، ويحققون ما حلموا به ذات يوم، ذرّت السوافي على خطوات الأطفال، درسَت معالمها، فصارت أثرا بعد عين، واختفت الآثار من الطرقات، محتها السنون المتعاقبة، وحفظها الزمان في أضابير الذكريات.
الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين، هذا بحسب علم الهندسة، وهو واقع الحال في خطوط الحياة ودروبها، فالصدق أقرب طريق بين قلبين، ومهما طالت دروب الكذب تبقى قصيرة، وأكثرها متعرج حافل بالوعثاء وكآبة المنظر وسوء المنقلب، مع نهاية غير سارة في الانتظار، ويمكن أن يُعذر المخطئ إذا أخطأ، أما الكاذب فيصعب على النفس غفران ما اقترفه من كذب، خاصة إذا تكرر منه السير في درب التزييف وأصرّ عليه، وما أجمل المشي في سبيل الصدق ولزوم جادته، ويكفي وعد الرحمن في قوله عز وجل: ﴿والذي جاءَ بالصدقِ وصَدّقَ بهِ أولئكَ هُمُ المتقون لهم ما يشاؤون عندَ ربِّهِم ذلكَ جزاءُ المتقِين﴾.
هناك عبارة قديمة واقعية، مفادها أن جميع الطرق مكتوب عليها: هدئ السرعة، إلا الطريق إلى الله تعالى مكتوب عليه: ﴿وسارِعوا إلى مغفرةٍ مِن ربِّكم وجنةٍ عَرْضها السماواتُ والأرضُ أُعِدّت للمتقين﴾.
وما أجمل القدوم إلى السميع العليم في السراء اعترافاً وشُكرا لأفضاله التي لا تُحصى، وفي الضراء لجوءاً إلى واسع رحمتِه وطلبا لكشف الهموم، وما سارع أحد بأحزانه وحاجاته إلى خالقه وعاد خائبا، وهو سبحانه من دعانا إلى المسارعة والمسابقة إليه، فلن يردّنا دون أن يقضي حوائجنا، ويسمع نداء أصواتنا وخفقات قلوبنا المملوءة بحبه وخشيته، وما أفدح خسارة من صم أذنيه عن النداء الإلهي، وسلك طريقاً يزيده بُعداً عن العزيز الرحيم.
في روايته البديعة: بلدي، يتحدث أديب داغستان الكبير «رسول حمزاتوف» حديثاً عميقاً مؤثراً عن بلاده ونفسه وعائلته، يخبرنا أنه حين كان يافعا، ووالده ما يزال حيا، اتجه لقرية مجاورة، وانعطف عن الطريق العام ليسلك الطريق الجبلي الذي شقه والده، فرآه أحد سكان الجبل وقال له: اترك طريق والدك لوالدك، وابحث لنفسك عن طريقٍ آخر، طريق خاص بك.
نصيحة ثمينة من رجل كبير لشاب صغير، يمكن أن تستمر صلاحيتها باستمرار الحياة، بأن يشق الشاب الطموح طريقا خاصا به، يمثل شخصيته وأفكاره، وتظهر فيه شجاعته بانتصاره على التحديات، ويحصد ثمرة نجاحه بتحقيق أحلامه، نابذا عنه الكسل والخمول والافتخار بما حققه والده فقط.
يا رفيق الحرف، ليس من الضروري أن تُقحم خطواتك في طريق مُهلكة، لتثبت للغير إقدامك، سيكون فعلك ضربا من الحماقة مع توفر الطريق السهلة، ولعلك تتذكر المثل القائل: اختر الطريق السهلة ولو طالت؛ لأنك إذا اخترت الدرب القصير الشاق، ستدفع ثمن التأخير من جهدك ووقتك وتكاليف إصلاح وسيلة النقل لاحقا، كالطالب الذي يختار قسما صعبا في الجامعة ليرضي والديه أو يرضي غروره الشخصي، وهو يعلم أن قدراته العقلية تؤهله لاجتياز تخصص أسهل، ومع ذلك يغامر بسنين طويلة ليحصل على الشهادة الجامعية، وقد يحصل عليها متأخرا أو لا ينالها أبدا، ولو تأكد مما يحمله من زاد معرفي لحسب حساباته بصورة أفضل.