مضت قوافل الأمم تمشي نحو أهدافها في الحياة، فما يمنعنا أن نساير القوافل؟ وما يمنعنا أن نمضي وقد أشرق الصباح.
إننا نعاني أمراضا مزمنة تأصلت أدواؤها في أعماقنا من ألف سنة، فليس من اليسير السهل أن نتخلص من كل أدوائنا طفرة واحدة، ولكنه ليس من العسير كذلك أن نلتمس العلاج الذري في عهد تيسرت فيه جميع الإمكانيات، وأصبح من المستحيل فيه أن نتعلل بذكر المستحيل!!
وأدواؤنا على كثرتها وتنوع أصولها يمكن تصنيفها في فصول محدودة إذا أردنا التحديد والاستيعاب، ويمكننا مباشرة علاجها في ضوء هذه التصنيف، فصلا بعد فصل، إذا صدقنا النية وأخلصنا العزم.
لنبدأ ببيوتنا، فبين جدراننا تدرج فلذات أكبادنا في مدالج لا تهيئهم للآمال التي نعقدها على رؤوسهم.
- يا حبوبتي! يا بنتي!! تعالي هنا يا قمر 14 يا بنتي!
أتدرون ما ابنتها هذه؟
لعلكم تحسبونها فتاة رقت أعطافها ودقت أطرافها، ودار القمر في وجهها الفاتن!
لو كان الأمر كذلك لهان الخطب.. ولكن حبوبتها هذه هي ولدها.. ولدها الذكر بكل ما في الذكورة من جفاف!!
إنها تريد تدليله، فلا يكفي أن تسميه حبيبها، بل تأبى إلا أن تؤنثه: حبوبتي!! ثم لا يرضيها إلا أن تردف: يا بنيتي.. كأنها تخشى ألا تتأكد معاني الأنوثة بغير هذا الترادف.
هذه خسارة لا تعوضها الأمة في فتاها الحبوب.. أو الحبوبة إذا تحرينا تصحيح العبارة الواردة.
داست أمه من حيث لا تشعر على رجولته المبكرة، وأوحت إليه بجميع المعاني التي تتنافى مع النضج، فإذا به وقد استوى مائعا، سائل الأعطاف، ضعيفا عن مواجهة الحياة.. فلا تثريب عليه لأنه (حبيب أمه.. أو حبوبتها المدلع)
وليس في الأمم الناهضة أم تدلل ابنها بمثل هذه المعاني المائعة.. لأنهم يتحاشون الإساءة إلى رجولته، ويأبون إلا أن يحاولوا بناء أطفالهم بأساليب فيها من مظاهر القوة والبأس أكثر مما فيها من معان أخرى.. (بكرة تسير عسكري.. وريني كيف تحط البندقية.. ارفع صدرك يا شاطر.. أيوة كمان اضرب برجلك، وامش زي ما يمشوا الضباط.. بكرة أشتري لك بدلة طيار، وأعلق لك النياشين!!
مثل هذه المعاني توحي إليه الكثير من حقائق الرجولة، وتبث في روحه ألوانا من البأس والقوة، وتساعد على تنشئته محكم البنيان متين القواعد، وتعده إعدادا ممتازا لمواجهة الحياة.
وإذا عدنا مرة أخرى إلى طفلنا الحبوب!! (حبيب أمه)، رأيناها لا تكتفي بإعداده المائع الذي أسلفنا، حتى تحوطه بكثير من دلالها الفاشل: «صمد راسك يا واد من البرد!! زرر صدرك يا حبيبي لا يصفقك الهوا! لا تمش في الظلام يا واد.. خذ الفانوس في ديك!! بطل الكورة لا تعور رجلك! غط رأسك من الشمس لا تصرعك!!» آلاف من أمثال هذه النصائح التي لا يوفيها حصر، ولا يحصرها عد، تنثال في معانيها إلى واعيته الخفية، فتترك أثرها الذي لا يمحى مع الأيام.. فينشأ ضعيفا أمام البرد هيابا من الشمس، يخاف الظلام ويتخيل وراءه الأهوال ولا يجرؤ على الحركة النشيطة التي تجدد الدم وتدفعه قويا في شرايينه.
إذا تعود الطفل هذا نشأ عليلا تذوي نضارته الشمس ويسيء مرور الهواء إلى صحته. وشب خاملا لا تستخفه فكرة، ولا تغريه حركة، ودرج على الأوهام التي تتسع آفاقها للعفاريت والأشباح وتضيق عن تصوير الأشياء بحقائقها المجردة.
* الأعمال الكاملة 2009
إننا نعاني أمراضا مزمنة تأصلت أدواؤها في أعماقنا من ألف سنة، فليس من اليسير السهل أن نتخلص من كل أدوائنا طفرة واحدة، ولكنه ليس من العسير كذلك أن نلتمس العلاج الذري في عهد تيسرت فيه جميع الإمكانيات، وأصبح من المستحيل فيه أن نتعلل بذكر المستحيل!!
وأدواؤنا على كثرتها وتنوع أصولها يمكن تصنيفها في فصول محدودة إذا أردنا التحديد والاستيعاب، ويمكننا مباشرة علاجها في ضوء هذه التصنيف، فصلا بعد فصل، إذا صدقنا النية وأخلصنا العزم.
لنبدأ ببيوتنا، فبين جدراننا تدرج فلذات أكبادنا في مدالج لا تهيئهم للآمال التي نعقدها على رؤوسهم.
- يا حبوبتي! يا بنتي!! تعالي هنا يا قمر 14 يا بنتي!
أتدرون ما ابنتها هذه؟
لعلكم تحسبونها فتاة رقت أعطافها ودقت أطرافها، ودار القمر في وجهها الفاتن!
لو كان الأمر كذلك لهان الخطب.. ولكن حبوبتها هذه هي ولدها.. ولدها الذكر بكل ما في الذكورة من جفاف!!
إنها تريد تدليله، فلا يكفي أن تسميه حبيبها، بل تأبى إلا أن تؤنثه: حبوبتي!! ثم لا يرضيها إلا أن تردف: يا بنيتي.. كأنها تخشى ألا تتأكد معاني الأنوثة بغير هذا الترادف.
هذه خسارة لا تعوضها الأمة في فتاها الحبوب.. أو الحبوبة إذا تحرينا تصحيح العبارة الواردة.
داست أمه من حيث لا تشعر على رجولته المبكرة، وأوحت إليه بجميع المعاني التي تتنافى مع النضج، فإذا به وقد استوى مائعا، سائل الأعطاف، ضعيفا عن مواجهة الحياة.. فلا تثريب عليه لأنه (حبيب أمه.. أو حبوبتها المدلع)
وليس في الأمم الناهضة أم تدلل ابنها بمثل هذه المعاني المائعة.. لأنهم يتحاشون الإساءة إلى رجولته، ويأبون إلا أن يحاولوا بناء أطفالهم بأساليب فيها من مظاهر القوة والبأس أكثر مما فيها من معان أخرى.. (بكرة تسير عسكري.. وريني كيف تحط البندقية.. ارفع صدرك يا شاطر.. أيوة كمان اضرب برجلك، وامش زي ما يمشوا الضباط.. بكرة أشتري لك بدلة طيار، وأعلق لك النياشين!!
مثل هذه المعاني توحي إليه الكثير من حقائق الرجولة، وتبث في روحه ألوانا من البأس والقوة، وتساعد على تنشئته محكم البنيان متين القواعد، وتعده إعدادا ممتازا لمواجهة الحياة.
وإذا عدنا مرة أخرى إلى طفلنا الحبوب!! (حبيب أمه)، رأيناها لا تكتفي بإعداده المائع الذي أسلفنا، حتى تحوطه بكثير من دلالها الفاشل: «صمد راسك يا واد من البرد!! زرر صدرك يا حبيبي لا يصفقك الهوا! لا تمش في الظلام يا واد.. خذ الفانوس في ديك!! بطل الكورة لا تعور رجلك! غط رأسك من الشمس لا تصرعك!!» آلاف من أمثال هذه النصائح التي لا يوفيها حصر، ولا يحصرها عد، تنثال في معانيها إلى واعيته الخفية، فتترك أثرها الذي لا يمحى مع الأيام.. فينشأ ضعيفا أمام البرد هيابا من الشمس، يخاف الظلام ويتخيل وراءه الأهوال ولا يجرؤ على الحركة النشيطة التي تجدد الدم وتدفعه قويا في شرايينه.
إذا تعود الطفل هذا نشأ عليلا تذوي نضارته الشمس ويسيء مرور الهواء إلى صحته. وشب خاملا لا تستخفه فكرة، ولا تغريه حركة، ودرج على الأوهام التي تتسع آفاقها للعفاريت والأشباح وتضيق عن تصوير الأشياء بحقائقها المجردة.
* الأعمال الكاملة 2009