أحتفلُ بنفسي وأغني نفسي،
وما أفترضه سوف تفترضونه،
لأنّ كلّ ذرةٍ تخصّني تخصكم
(وولت ويتمان)
• • •
الوجع ذهب بعيدا، هناك حيث انفرطت المسبحة، أو حين انقطع وتر العود صارخاً جاري ياجاري ياجاري يابو ضحكة......
تلك هي معزوفة شاكر الشيخ التي خبأها بين الضلوع أو بين صباحاتٍ متوهجة ومرتجفة بين شطآنٍ وخلجانٍ سافرت بحزن وحنين بسفن منسية بين دجلة والخليج.
ربما حلم شاكر أن يرافق زرياب في أزقة بغداد كي يسمعه معزوفته جاري ياجاري، أو يبوح له بصبابة الغناء المكي قبل أن ينفطر وجعه في العراق، لكن زرياب غائب، وشاكر راقد في الحنين.
شريط أو كاسيت وحيد ويتيم، لكنه ذاكرة مثخنة بالألم والفرح والطفل الذي يغنيه صاحبه؛ أو هو الطائر المكي المنتشي بالغناء والشعر والحب والصبابة والحياة.
سيرة شاكر لا تكتمل بصمت من أحبهم وغدروه، أو من تنكروا وجحدوا حلاوة ومرّ قهوته التي أدمنوها في صباحاته؛ سيرة لجريدة أدمن البحر إشراقاتها بمراكبه، سيرةٌ للشعر، سيرةٌ للناس، سيرةٌ لموجة الصخب أو للكتابة المشاكسة للشعر، أو لموجة تبوأت مكانتها هنا، حين توارى بضحكةٍ عن أسمائها وهم ينثرون نصوصهم في ملحق اليوم وجدلٍ غاب وجفت أنهاره.
هي سيرة كل قلم نزف حبره على ورقة ضلت طريقها أو تغاوت مفرداتها لطاولة مبعثرة، بقصاصات ومنافض سجائر وأكواب قهوة مرّة لمكتبه، أو لسلة ترقد مهزومة برقيب متربص لنسمة مغايرة.
سيرة مكتنزة بتواضع وحب وألفة وموسيقى
في ليلةٍ غاب فيها الكتاب والنفاق والجدل واشتعل عزف العود، قال شاكر لعازف العود الذي انتشى بأغنية الآهات للست، حيث تماهى الحزن بالفرح والعزف، وحضر المقام وسلمَه وتوقف العازف لشرح مقام العشيران أو راحت الأرواح والذي يذكره شاكر بمقام السيكا ضحك بحزن: لا تتوقف يا حبيبي فلتشرق الشمس وتتقطع الأوتار.
تلك ليلة صافية وندية من ليالي الفرح لأبي بدر الغائب الآن، حيث إنني أسرق الكلمات أو أحررها من عقال الصمت الذي أحبذه للتوغل في وحشة الكلمات وهي تنساب إلى جرفٍ أو مسربٍ لقبرٍ يجفف غياب صاحبه بقطرات دموع ثكلى وقلم نزف كثيراً وشرب من ملوحة شرقية رطبة وساخنة لكنها دافئة.