ميسون الدخيل

نقرر أحيانا كثيرة أن نقدم المساعدة، ونعمل بكل جهد على تغيير وضع ما أو شخص كي يصبح مستقلا أو قادرا على أداء مهامه في حياته أو عمله بطريقة تمكّنه من العيش بكرامة وراحة. ولكن نصطدم بتحدّيات تقودنا إلى الفشل، كيف؟! أليست النيّة والمجهود كافيان حتى نستطيع أن ننجح؟! نحن نتحرك حسب الطرق التي تعلّمناها، ونستخدم آخر الإستراتيجيات التي أثبتت نجاحها، إذًا أين الخطأ؟ إن كان كلّ له دور في هذه الحياة، ونحن رأينا أن دورنا هو في مساعدة الغير، فإن فشلنا فما هو دورنا إذًا؟ وإن كان لكل إنسان دور في هذه الحياة فما هو دور هذا الإنسان الذي لا يستطيع حتى أن يساعد نفسه؟

سمعت مؤخرا عن قصة شاب تطوع ليعمل في معسكر صيفي للأطفال والكبار من ذوي الاحتياجات الخاصة. وعادة لا يتطوع أحد ليعمل مع هذه الشريحة من المجتمع إلا وهو يحمل بين طيات صدره قلبا كبيرا نقيا. لاحظ المتطوع أن شابا في هذا المعسكر غير قادر على المشي أو التحرك أو التحدث، بل لم يكن يستطيع تحريك شفتيه، وكان يعاني أيضا من إعاقة عقلية تجعله لا يشعر بمن حوله، هنا شيءٌ مَا تحرّك داخل المتطوع، وقرّر أن يساعده. كان هذا المتطوع ممن يؤمنون بأن لكل فرد في هذه الحياة دورا فريدا لا يستطيع أن يقوم به غيره، وبالتالي فإن هذا الشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة لا بد أن يكون له دور، وعليه أن يساعده حتى يصل إلى ذلك. وبالرغم من أنه لم يكن المسؤول المباشر عن هذا الشاب، فقد قرر تكريس كل أوقات فراغه لمحاولة تعليمه ومساعدته على إنجاز شيء ما، مهما كان بسيطا، يضعه على طريق الاستقلالية. وفعلا خصص جلّ أوقات فراغه وأيام إجازاته ليرافق هذا الشاب، ويعمل على مساعدته. وفي نهاية الصيف وجد أنه لم يحقق تقدما ولو بسيطا، وكأن كل جهوده وتفانيه ذهب أدراجَ الرّياح! فهو لم يستطع أن يجعل الشاب قادرا على فعل حتى أبسط حركة!

محبَطا ومنهَكا توجّه إلى زميل له يشكو له حاله، وكيف أنه بدأ يشك في أن ما كان يؤمن به من أن لكل شخص مهمة في هذه الحياة، أمر غير واقعي وغير صحيح! «حقا ما الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا الشاب؟» سأل صديقه وهو يحدث نفسه أكثر من أنه كان يحدث زميله.

صادف أن وصل حديثُهما إلى شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، كان يعمل على تدريب بالقرب منهما، ولم يكن يعاني من إعاقة عقلية، فالتفت إليهما، وقال: «لإصلاحك أنت، لإصلاحك أنت»! هنا انعقد لسان المتطوع، ووقف عاجزا عن الكلام! لماذا لم يفكر بهذا مِن قبل؟ وبدأ يحدث نفسه بصوت مسموع: «إذًا القضية ببساطة أن جزءا من دوره هو مساعدتي ومساعدة آخرين مثلي»! فعن طريق تكريس كل جزء من أوقات فراغه من أجل مساعدة الشاب، تغير المتطوع كفرد، لقد شعر بأنه تطوّر ونَمَا من الداخل والخارج، وكل ذلك بسبب هذا الشاب الذي لا يتحدث أو يتحرك! باقتراب نهاية هذا الشهر العظيم، وكل الصيام والطاعات والصبر والخير التي قمنا بها، لنتذكر أن نحافظ على قوة هذه الإمكانات، ولنكتشف المزيد من القدرات الفريدة التي في دواخلنا، حتى نستطيع أن نستخدمها. إن كل شخص بغض النظر عن جنسه أو نوعه أو حالته، لديه دور ما في تغيير أو إصلاح شيء ما أو شخص ما في هذه الحياة. ونحن كأفراد مجتمع، كأفراد وطن، كأفراد أمة، كأفراد من هذا العالم الذي خلقه الرحمن سبحانه، مطلوب منا أن نكمل ترابط الحلقات حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من الوصول إلى أقصى إمكانياتهم. لا يمكن الاستغناء عن أحد، كل فرد خُلق بكمية هائلة من الإمكانات والقدرات، قد لا نراها أو نستوعب مغزاها، لكن المهم أن ندرك أننا وُضِعنا في هذه الحياة لمساعدة الآخرين على تحقيق ذواتهم أو أدوارهم، بمعنى مساعدتهم بطرائقنا الفريدة ليتمكنوا من إتمام أدوارهم وبطرقهم الفريدة أيضا، وبهذا لا نساعد ونصلح الغير فقط، بل نساعد ونصلح أنفسنا أيضا.