ما بين أن تدور بي الدنيا وبين زهو ونشوة يدق لهما القلب بين الفخر والثقة وصدق التحليل والقراءة..
ما بين أن تدور بي الدنيا وبين زهو ونشوة يدق لهما القلب بين الفخر والثقة وصدق التحليل والقراءة.. المرأة في عسير ذلك اللغز المسكون بالثقة والقوة واللين في آن واحد، فلم يمض يوم على خطابي عن أحداث الجامعة حتى رأيت بناتي في جامعة الملك خالد يتألقن في احترام الرمز وفي أخذ الحق بحرفة، كما ختمت بها مقالتي السابقة. ها هن بين القوة واللين كما سبق ووصفت المرأة في عسير من تحليل زيها وخطوطها وعاداتها المقتبسة من بيئتها البكر العفية.
فحين قرأت تلك الشعارات في تجمهرن حول عَلَمَهُن وبزيهن ثم هتافاتهن للرمز الأب الملك عبدالله تيقنت تماما من سقوط مؤتمرات مارتن إنديك وأوليفر روي وتوماس فريدمان الذين يدعون إلى نعرات تستلب عقول الشباب. لقد أثبتت بنات جامعة الملك خالد بأبها خيبة أمل هؤلاء الفرحين والعاقدين مؤتمراتهم حول نجاحهم، بأن الأجيال الشبابية قد تغيرت إلى النشء الجديد المثال من وجهة نظرهم، ومن أهم سماته لديهم هو سقوط الشخصية الكارزيما. يقول إنديك: لم يعد لدى الشباب العربي كارزيما يتخذها رمزا فيجلها ويحترمها حسب قولهم، وبالتالي فإن هؤلاء هم الجيل المثالي من وجهة نظر إنديك والمنظر للثورات العربية كما قال في مؤتمر عن (الربيع العربي) وعن الشباب، ويقول: لماذا قلت إن الربيع العربي أمر لا رجعة فيه؟ بالنسبة لي هناك ثلاثة تغييرات رئيسة بالعمق في المجتمعات العربية؛ أولا.. إنهم أقل ارتباطاً بالعائلات الكبيرة، بالعائلات الممتدة. لديهم عدد أقل من الأطفال عندما ينجبون. إنهم أكثر اتصالاً، وأكثر عالمية وشمولية. غالباً ما يفهمون أو يتحدثون لغات أجنبية. إنهم على اطلاع. وهم لا يتبعون المجتمع الأبوي التقليدي، والثقافة الأبوية بالضبط، لأن البنى الأبوية، على وجه التحديد، هي الآن في حالة هبوط، لم تعد تعمل. إنهم أكثر تعلماً من آبائهم. إنهم أفضل من آبائهم. انتهى
إن بناتنا اللاتي ينتمين إلى عادات وتقاليد وأعراف قد تزعج روي وإنديك وفريدمان لا يمكنهن الانسلاخ منها كما صرح في مؤتمره المنعقد في معهد BROOKINGS/ واشنطن ـ الثلاثاء، 13 / 12 / 2011 : المحاضرة السنوية الثامنة لرايموند آرون، عرض أوليفر روي وتوم فريدمان بعنوان ( تفسير الربيع العربي)، والذي يصرح فيه منتشيا بأن شبابنا وأبناءنا وبناتنا قد انسلخوا من القيم فيقول عن مشروعة الشباب العربي كما يدعي: إن الصورة الأبوية التقليدية عن الزعيم لم تعد تعمل بعد اليوم. فهم غير منجذبين للقادة الكاريزميين. إنه جيل السلام، ليس جيل القادة العظام، لذا، فإن نتيجة هذا الأمر – وهذا هو التغيير الثاني- هو أن هناك انهياراَ للثقافة العربية التقليدية – حسناً، كلمة تقليدي كلمة كبيرة – لكنه انهيار للثقافة العربية التقليدية المبنية على الشخصية الكاريزمية أو المبنية على الابن، كما تعلمون. فعادة ما يكون الأبناء أقل كاريزمية من آبائهم، لكن مع ذلك، كما تعلمون، كانت الفكرة أن هناك قائداً شرعياً كبيراً وأنه يفترض بالناس أن يكونوا موحدين، وأن أي نوع من أنواع الإيديولوجية، القومية، الإسلاموية، العروبة، مسألة لا تهم، وأن الديموقراطية هي ديموقراطية خارجية ـ أكثر من خارجية ـ هي مؤامرة لتدمير وحدة الشعب العربي. انتهى.
لا، أيها الراوي، إن بنات جامعة الملك خالد يضربن المثل في تردي هذه النظرية المتهاوية، فها هن سرعان ما رفعن صورة العلم وهن يهتفن باسم الرمز الملك الأب ويحترمن الكاريزما التي قد ظننت أنت أنها قد تهاوت. فالرموز العربية لا تتهاوى والكاريزما العربية تخلد زمنا بعد زمن لما تبذله من عمل وعطاء وشرف تكتنفه الوطنية المحمومة بالولاء وتعاليم الدين الحنيف، بداية من الساسة حتى الكتاب والأدباء، انتهاء بالآباء والأمهات لن تسقط الرموز أبدا. لسنا نحن وليست بناتنا وأبناؤنا من ضمن مشروعك الشبابي الجديد، الذي قلت عنهم فرحا نشوان مباهيا بنجاح مشروعك في ذلك المؤتمر إنهم لا يؤمنون بالمؤامرة الغربية لتقويض القومية العربية. هم لا يكترثون للبروباجندا.. يريدون حكماً رشيداً ومواطنة جيدة، وبهذا فإن خلع رداء العادات والتقاليد والقيم - من أبرزها إسقاط السلطة الأبوية والمتمثلة في احترام الكبير ووجود الشخص الرمز والقادة العظام انتهى.
لم يكن مقالي السابق والذي لاحظت أنه أزعج الكثيرات من بناتي بالجامعة سوى محاولة لاستثارة الروح التقاليدية الكامنة في باطن كل فتاة والتي أبدا لن تتخلى عنها، وأنا أعلم علم اليقين أنها تهرول كل يوم لتقبيل أيدي والديها.
نحن نحترم رموزنا ونرفع رايات الوطن ونقف أعلاما شامخة مجسدة في بنات جامعة الملك خالد وهن يرفعن صورة العلم ويهتفن باسم الملك ويقلن: كلنا الملك عبدالله.
وهذا لا يتعارض مع ما طالبن به من حقوق، فلهن مثل ما عليهن. كما قال الله تعالى في كتابه الكريم. إنها الشخصية العسيرية والمزيج من اللين والقوة، فعلى كل المنظرين سواء كان إنديك أو روي أو صاحب كتاب العالم مسطح فريدمان أن يعلموا أن نساء أبها ورجالها.. شبانا وشيبانا مثل جبالها الوعرة والتي اكتسبوا صلابتها في شخوصهم فلن نُخْتَرق ولن تطالنا نظريات أعدت من عشرات السنين. ها هن بناتنا يهتفن باسم الوطن والمليك.
إنه جيل السلام وجيل القادة العظام.. إنهن يهتفن دائما أبدا للرمز كلنا الملك عبدالله، فمعذرة بناتي الحبيبات، إنه نقش على الثوب العسيري، فأنا منكن وأنتن مني وكلنا نهتف جميعا كلنا الملك عبدالله كلنا ذلك الوطن.