رغم مرور أكثر من قرن كامل على قصة «سفر برلك»، وهي قصة التهجير القسري الذي مارسه العثمانيون بقيادة فخري باشا على أهالي المدينة المنورة، في واحدة من أكبر مآسي التهجير الجماعي، إلا أن جرح هذه الحكاية ما زال نازفا، ويستحوذ على الاهتمام والجدل. ونزولا عند رغبة القراء تعيد «الوطن» نشر حلقات القصة التي سبق نشرها في عام 2007.
الوطن تنشر الفصل الذي حمل شهادات الأسر التي جرى تهجيرها قسراً من المدينة المنورة (1-3)
القصة الكاملة لكارثة التهجير العثمانية سفر برلك قبل 93 عاما
يستعد أحد أشهر جامعي الوثائق التاريخية في المدينة المنورة لنكء واحد من أكثر الجراح إيغالا في ضمير مجتمع المدينة النبوية حين يدفع نهاية الأسبوع الجاري، بالجزء الخامس من سلسلته عن تاريخ المدينة وهو الجزء الذي سيتضمن، ولأول مرة في التاريخ المكتوب للمنطقة، تسجيلات ووثائق تحكي قصة سفربرلك - كارثة التهجير الجماعي التي طبقتها الدولة العثمانية على رجال ونساء وأطفال المدينة لتخلف مدينة منورة يسكنها العسكر ونحو 140 رجلا فقط، وعدة نساء.
وقرر الباحث أحمد أمين مرشد، عقب سنوات من مراجعته لآلاف الوثائق التي تمكن من جمعها طوال نحو نصف قرن وتمثلت بمخطوطات وتسجيلات وصور، أن يحول ما بجعبته إلى شهادات تاريخية ترسم مشهدا مخيفا لنكبة سفربرلك التي لا يزال أبناء المدينة المنورة يتناقلون القصص المروعة عنها، تلك القصص التي تحكي محنة أسلافهم طوال ثلاث سنوات بدءا من عام 1334هـ.
وحسب مرشد وغيره من المهتمين بتاريخ المدينة المنورة، فقد أدت عملية التهجير الجماعي الواسعة عبر قطار الحجاز إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمدينة حين فرقت تلك الأحداث الجسيمة بين الزوج وزوجته والأم وأبنائها والأخ وإخوته، ولم تترك حينها صغيرا ولا كبيرا دون أن تجرعه مرارتها التي لم تنته تاريخيا إلا في بداية 1338هـ وإن كانت آثارها السلبية ظلت مخيمة طويلا على كافة أطياف المجتمع المدني. ذلك إضافة إلى ضياع تركة ثقافية واقتصادية تمثلت بإهلاك وسرقة ودفن الكثير من المخطوطات والصكوك والذهب والمسكوكات النقدية.
والكتاب، الذي حصلت الوطن على مخطوطته المسلّمة للمطبعة، وعلى إذن مؤلفه بنشر مقتطفات منه، من المقرر توزيعه نهاية الشهر الهجري الجاري وسط ما يبدو أنها حالة ترقب واسعة لدى المثقفين والمهتمين بشأن المدينة المنورة الذين تنامت إليهم أخبار قرب صدور الجزء الرابع من كتاب طيبة وذكريات الأحبة متضمنا فصلا كاملا عن سفر برلك.
ورغم الحساسية العالية للحدث الذي يشعر أسلاف الأسر التي تعرضت للتهجير بأنه مس كرامتهم الإنسانية، حين تم جرهم ونسائهم وأطفالهم معاً أو متفرقين إلى عربات قطار الحجاز ليتم إلقاؤهم عشوائيا في العراق وتركيا والأردن وسوريا.
غير أن مرشد يفصح عن قوائم بالعائلات التي تم ترحيلها بالقوة الجبرية، والعائلات التي رحلت من المدينة المنورة في مرحلة التهجير الاختيارية، والعائلات التي بقيت في المدينة، كل ذلك بالأسماء والشهادات إضافة إلى تفاصيل أخرى ترتبط بالمناطق التي نزل فيها المهجّرون.
ويقول أحمد أمين مرشد، الذي يعتمد بالأخص على وثائق وتسجيلات صوتية وافق على منحها أرباب العائلات التي تعرضت للمحنة، نقلا عن آبائهم أو من ذاكرتهم أيام كانوا صغارا، إنه تأكد بصورة قطعية من عدم ممانعة هؤلاء وأسرهم في الحديث عن مأساة سفر برلك فيما تحفظ مرشد على أسماء آخرين أدلوا بشهاداتهم ورفضوا ربطها بأسمائهم.
ومازجا في مؤلفه بين أسلوب التحقيق التاريخي، ومساءلة الشهود، وبين الأسلوب الصحفي في عرض الوقائع والذي يستند إلى خبرة المؤلف وهو أحد أقدم الصحفيين بالمنطقة، يدفع أحمد أمين مرشد بكتاب يحمل طابع العزاء الحزين للضحايا، والإدانة القاسية للجناة.
سفر برلك كلمتان نزلتا على أسماع أهل المدينة كالصاعقة كلمتان خبأتا بين حروفهما الرعب المزلزل لأسر المدينة داخل بيوتهم المتحصنين بها خوفا من الخطف المباغت، ولم ينج من حممها إلا القليل وهذه الكلمة تعني الترحيل الجماعي حسب تفسيرها باللغة التركية.
لقد مرت على المدينة أيام قاسية تبعتها أشهر ثم سنة مريرة لجأ فيها الأتراك إلى استخدام كل الأساليب لإخراج أهل المدينة من دورهم ونفيهم إلى خارجها شاءوا أم أبوا بالقوة الإجبارية.
تاريخ أسود ونكبة حلت بأهل المدينة كان بطلها القائد العسكري للمدينة فخري باشا واسمه عمر فخر الدين بن محمد ناهد بن عمر كما أن هناك معلومة تقول إن ناجي كاشف كجمان عُين في حامية المدينة خلال الحرب العالمية الأولى وكتب مذكرات دقيقة عن المدينة أيام فخري وجنوده الذين بلغ عددهم خلال تلك الفترة عشرة آلاف جندي.
فمن كان مولده قبل عام 1334هـ أو بعده سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا أو شيخا مسنا لم يرحمه جنود فخري حيث كان الجنود منتشرين وبعدد كبير داخل أسوار المدينة الثلاثة وبين أزقتها وحاراتها ولم يسلم (حسب قول البعض) إلا من كان يسكن داخل الأحواش التي تتميز بقفل أبوابها المتينة ورغم ذلك فإن كل من حاول الخروج قُبض عليه ورُحل.. وتميز الجنود الأتراك حسب توصية قائدهم بالقوة والصلابة والشدة وعدم التهاون أو رحمة شيخ عجوز يبحث عن قطعة خبز أو امرأة تبحث عن ولدها أو شاب خرج بكل حيوية دافعه البحث عن لقمة عيش لوالديه وإخوانه الصغار..كان القطار يمتد كالثعبان من محطة العنبرية مرورا بالمناخة وحتى آخر شارع العينية يلتهم كل جسد بشري يمر من أمامه أو من خلفه.
الهدف من إنشاء سكة حديد الحجاز
كان الهدف من إنشاء السكك الحديدية لربط أجزاء الدولة العثمانية المترامية الأطراف كسياسة عليا للدولة أما في عهد السلطان عبدالحميد الثاني الذي قرر مده من إسطنبول إلى المدينة المنورة مرورا بالعراق وسوريا والأردن لخدمة حجاج بيت الله الحرام الذين كانوا يلاقون صعوبة كبيرة أثناء تأديتهم لفريضة الحج قبل إنشاء الخط، فطريق الحج العراقي حوالي 1300 كم وتستغرق الرحلة شهرا كاملا وطريق الحج المصري من سيناء حوالي 1540كم ويستغرق أربعين يوما، وطريق الحج الشامي يمتد 1302كم وتستغرق الرحلة خلاله أربعين يوما.
وكانت الدولة العثمانية حريصة أشد الحرص على سلامة الحجاج ذهاباً وإياباً لهذا فإنها لم تتردد في دفع رواتب وعطايا لوقف التهديدات المستمرة على قوافل الحجاج، ولم يشعر الحجاج بالأمان والسلام بشكل لافت إلا بعد أن تولى الملك عبدالعزيز آل سعود حكم بلاد الحجاز واستمرت هذه السياسة حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ومن ثم استمرت هذه السياسة لخدمة حجاج بيت الله في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وقد اهتمت الأسرة السعودية اهتماماً بارزا بمكة المكرمة والمدينة المنورة وإعداد كل ما يلزم لراحة الحجاج والمعتمرين القادمين من أقصى بقاع الأرض.
ومن أجل إقامة المشروع وجه السلطان عبدالحميد نداء إلى العالم الإسلامي عبر سكرتيره عزت باشا ولقي هذا النداء تجاوبا من مسلمي العالم الإسلامي وتبرع السلطان بمبلغ (320) ألف ليرة من ماله الخاص وتبرع شاه إيران بخمسين ألفا وساهم خديوي مصر عباس حلمي الثاني بكميات كبيرة من مواد البناء.
تشكلت لجنتان لتنفيذ المشروع الأولى في إستانبول برئاسة عزت باشا والثانية في دمشق برئاسة والي الشام وذلك تمهيدا لتتبع مد خط سكة الحديد على نفس خط قوافل الحجاج.
بدأ المشروع في شهر جمادى الآخرة عام 1318هـ، حيث بدأ العمل في منطقة المزيريب ثم إلى دمشق ودرعا بإشراف بعض المهندسين الأجانب من الألمان ماعدا المسافة التي بين العلا والمدينة فقد أشرف عليها مهندسون مسلمون.
عقبات واجهت المشروع
صادف المشروع عقبات كثيرة، كان على رأسها نقص المياه، وأمكن التغلب على ذلك بحفر آبار وإدارتها بمضخات أو طواحين هواء، وجلبت المياه في صهاريج تسير على أطراف الخط. ولمواجهة نقص العمال وتوفير النفقات استخدمت قوات من الجيش العثماني بلغ عددها زهاء 6 آلاف جندي و200 مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة. كذلك كانت السيول الجارفة إحدى العقبات التي شكلت خطورة كبيرة وحقيقية على الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل، لذلك قام المهندسون بإنشاء مصارف للسيول على طول الخط الرئيسي.
أما الرمال المتحركة التي تعرض صلابة الخط للخطر وتؤدي إلى انقطاع الحركة بتحرك الخط عن مكانه فأمكن التغلب عليها بتغطية منطقة الرمال المتحركة بطبقة من الصلصال، وبني سد حجري ضيق يمتد موازياً للخط الحجازي ليحول دون خطر تغطيته بالرمال المتحركة. أما مشكلة الوقود فتم استيراد الفحم من الخارج وأقيمت مستودعات ضخمه لتخزينه.
وفي عودة لأول الحدث فبعد أن كان أبناء الشريف حسين علي وفيصل على وفاق تام مع فخري باشا تمهيدا للقيام بثورة ضد السلطة العثمانية أو التركية للانفصال عنها كانت هناك مشاورات بين فخري والشريف حسين عن طريق ابنيه علي وفيصل وكان علي متواجدا بالمدينة في عهد حاكمها بصري باشا الذي كان يتضايق من تدخلات الشريف علي في بعض أمور السلطة وقد اشتكى بصري باشا الشريف علي إلى جمال باشا حاكم الشام وقام جمال بمخاطبة الشريف حسين وابنه فيصل الذي كان متواجدا في سوريا، ورحل علي من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة.
شارك في المشروع 6 آلاف جندي و200 مهندس وقد بلغت تكاليف الإنشاء 4.283.000 ليرة عثمانية، وكان العمل ينجز بطريقة سريعة حيث يكون الانتهاء من مد سكة الحديد في السنة الواحدة 182كم.
وبعد الانتهاء من ربط الشام بالمدينة أصبح القطار يقطع المسافة التي تبلغ 1320كم بين دمشق والمدينة في 72 ساعة زد عليها بعض الساعات التي تضيع بين وقوف القطار في المحطات وتغيير القاطرات.
خط سير سكة حديد الحجاز
تبدأ سكة حديد الحجاز بعد محطة مزيريب من (محطة دمشق) وتمر بعدد من المحطات في طريقها ومن أهمها: الديرة - عمان - جزا - عطرانة (القطرانة) - معان - غدير الحج - بطن الغول - مدوارة (المدورة) - تبوك - الأخضر - المعظم - الدار الحمرا - مدائن صالح (الحجر) - العلا - هدية. لتنتهي السكة بمحطة المدينة المنورة. وهناك محطات فرعية أخرى على امتداد طول السكة.
ويشار إلى أن المحطات الرئيسية تحتوي على ورش لإصلاح القاطرات ومبان خدمية للإشراف والحراسة والتمويل ومبان مخصصة لإسكان الحجاج والمسافرين وخزانات للمياه ودورات مياه.
خط سير ا لقطار من دمشق إلى المدينة المنورة
وقد تحصل الباحث على وثيقة قديمة من مكتبة آل هاشم بالمدينة مؤرخة في 20 يوليو 1328هـ بخط السيد جعفر هاشم مكتوب فيها بالتفصيل مسيرة القطار من دمشق أو من المزيريب حتى المدينة المنورة مفصلا فيها المسافة بين المناطق التي يمر فيها القطار وأسماء الهجر والقرى والأودية ومحطات الوقوف وزمن الوقوف والتحرك ونقل منها الباحث ما يلي:
وصل الخط من دمشق إلى درعا عام 1901م،حيث يمر القطار عبر سيره على المناطق التالية سواء صغيرة أو كبيرة ومنها محطات توقف هي:
من درعا إلى قم غارز 7 ونصف كم ثم نصيب 25 كم ثم مفرق 23 كم ثم سمرا 17كم ثم رزقا 19 كم ثم مدينة عمان 11كم، ومن عمان إلى قصر14كم ثم إلى لبن 11كم ثم إلى جيزه 19كم ثم إلى ضبعه 16كم ثم إلى خان الزبيب 14كم ثم إلى سواقه 16كم ثم إلى قطرانه 22كم ثم إلى منزل 18كم ثم إلى قريقرة 10كم ثم إلى الحسا 19كم ثم إلى جروف الدراويش 25كم ثم إلى عنزة 17كم ثم إلى وادي جردون 18كم وأخيرا إلى معان. ومن مدينة معان يتحرك القطار مارا بالقرى والهجر والمحطات التالية:
معان - غدير الحج - بئر الشديد - عقبة - وادي رتم - تل الشحم - رمله - مدورة - حارة العماره (حارة عمار) الحدود الحالية ومنها إلى ذات الحج - بئر هرماس - الحزم - محطب - وأخيرا محطة تبوك. ومن تبوك يتحرك القطار إلى مدائن صالح مرورا بـ: وادي أتيل - دار الحج - مشيقعة - أخضرا - خميس - دير سعد - المعظم - خشم صفا - دار الحمرا - مطالع - أبو طاقة- مبرق (مبرك) الناقة - وأخيرا مدائن صالح ومن مدائن صالح إلى المدينة المنورة ويمر على المناطق التالية:
العلا - بدايع - مشهد - سهل المطر - زمرد - بئر جديد - طويره - مدرج - هدية - جداعة - أبو النعم - عنتر أو ما يعرف بإسطبل عنتر _ بويره - أبيار نصيف - بواط أو بواطه - الحفيرة - مخيط وأخيرا محطة إستصيون المدينة المنورة التي تحتوي على مبانٍ بطول 600 متر وعرض حوالي 400 متر.
وقد وصل القطار إلى المدينة المنورة في باب العنبرية في 22 رجب 1326هـ. بينما وجد الباحث في مذكرات السيد جعفر حسين هاشم أن وصول الخط الحديدي (الشموندفير) في 16 رجب 1326هـ وفي عام 1329هـ وصل عدد ركاب القطار إلى 119000 ألف.
ويورد الباحث أسماء بعض مهندسي وسائقي خط سكة حديد الحجاز ومنهم:
1- أبو زبدي - مهندس ويعمل بين مدن الشام.
2- رشيد الغزي مهندس بين المدينة وتبوك.
3- عبده عبدالله زيادة مهندس.
4- حسن الخانجي.
5- يعقوب أفندي وهذا كان آخر سائق للقطار وصل إلى المدينة المنورة يحمل المؤن من الأردن في شهر ربيع الثاني عام 1336هـ.
6- محبوب علي سائق القطار رقم 105 وهو آخر قطار توقف عن سيره في 13 جمادى الأولى 1336هـ.
7- المهندس محمد فخري أفندي الذي قتل في محطة البوير 1327 - خلال هجوم على القطار..
من ذ كريات سكة حديد الحجاز
1. كان (السيد محبوب علي بن السيد فضل حسين)، المولود عام 1307هجرية المتوفى عام 1394هجرية، أصغر كابتن في سكة حديد الحجاز، ولم يكن هناك من يعمل سائقاً للقطار غيره من أهل الجزيرة العربية، إذ إن الباقين أتراك، نعم كان هناك (الشيخ عبدالمجيد خطاب) موظفاً في المحطة، وكان (السيد هاشم رشيد) مهندساً في المحطة أيضاً وكان أحد المهندسين المنفذين للمشروع، وكانت لديه مخططات المشروع محتفظاً بها أخذها منه الكاتب الرحالة (فؤاد حمزة) لأجل أن يستفيد منها في كتابته عن سكة حديد الحجاز ولكنه لم يعدها له، و(السيد هاشم رشيد) هو والد الشاعر(محمد هاشم رشيد)، وكان من النفر العاملين في سكة حديد الحجاز الوافدين على السلطان عبدالحميد العثماني.
2. أما عن الأعمال التي شغلها (السيد محبوب علي) في سكة حديد الحجاز فبدايتها أنه كان الذي يزود مقود القطار بالفحم، ثم إنه وخلال تلك الفترة القصيرة من عمر سكة حديد الحجاز ترقى حتى وصل إلى كابتن، فمسمى الوظائف التي شغلها هي كالتالي: (كمرجي، سرجي، أطاشجي، معاون كابتن، كابتن).
3. لاشك أن القطار كان طريق سيره في الحجاز شديد الخطورة، وقد انقلب القطار مرتين، مرة بسبب تخريب مفاجئ في موضع من السكة، وكادت رصاصة في هذه الحادثة أن تودي بحياة سائق القطار ولكنها أطارت بطربوشه لما أصابته، والثاني أثناء الحرب العامة.
4. عايش السيد محبوب علي أحداثاً جمة أثناء عمله سائقاً للقطار، منها السياسية والعسكرية والاجتماعية والإنسانية، فقاده القطار إلى زواجه بابنة (البنكباشي علي رمزي) الحاكم العسكري في نابلس إبان تلك الحقبة، وعايش على مضض أحداث (سفر برلك) الصعبة والمؤسفة، حيث كان أهل المدينة المنورة يُكرهون على الخروج منها وبالقوة، فقد كانوا يلوذون بالبادية أو ببعض المدن والأقاليم الإسلامية هرباً من الفتن والجوع، فكان المحظوظ من الأهالي من أقلّه القطار إلى مكان آمن، ومنهم من يضطر إلى قطع المسافات الطويلة على رجليه.
5. حين تعطلت سكة حديد الحجاز عن العمل بفعل الإنجليز إبان الثورة العربية الكبرى، أذن حاكم المدينة فخري باشا للسيد محبوب علي بالسفر إلى الهند حيث هرب أبوه إليها، ثم عادا جميعاً في زمن الشريف علي بن الحسين حيث فوجئ بنهب داره وجميع ماله في داره بالمغيسلة.
الوطن تنشر الفصل الذي حمل شهادات الأسر التي جرى تهجيرها قسراً من المدينة المنورة (1-3)
القصة الكاملة لكارثة التهجير العثمانية سفر برلك قبل 93 عاما
يستعد أحد أشهر جامعي الوثائق التاريخية في المدينة المنورة لنكء واحد من أكثر الجراح إيغالا في ضمير مجتمع المدينة النبوية حين يدفع نهاية الأسبوع الجاري، بالجزء الخامس من سلسلته عن تاريخ المدينة وهو الجزء الذي سيتضمن، ولأول مرة في التاريخ المكتوب للمنطقة، تسجيلات ووثائق تحكي قصة سفربرلك - كارثة التهجير الجماعي التي طبقتها الدولة العثمانية على رجال ونساء وأطفال المدينة لتخلف مدينة منورة يسكنها العسكر ونحو 140 رجلا فقط، وعدة نساء.
وقرر الباحث أحمد أمين مرشد، عقب سنوات من مراجعته لآلاف الوثائق التي تمكن من جمعها طوال نحو نصف قرن وتمثلت بمخطوطات وتسجيلات وصور، أن يحول ما بجعبته إلى شهادات تاريخية ترسم مشهدا مخيفا لنكبة سفربرلك التي لا يزال أبناء المدينة المنورة يتناقلون القصص المروعة عنها، تلك القصص التي تحكي محنة أسلافهم طوال ثلاث سنوات بدءا من عام 1334هـ.
وحسب مرشد وغيره من المهتمين بتاريخ المدينة المنورة، فقد أدت عملية التهجير الجماعي الواسعة عبر قطار الحجاز إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمدينة حين فرقت تلك الأحداث الجسيمة بين الزوج وزوجته والأم وأبنائها والأخ وإخوته، ولم تترك حينها صغيرا ولا كبيرا دون أن تجرعه مرارتها التي لم تنته تاريخيا إلا في بداية 1338هـ وإن كانت آثارها السلبية ظلت مخيمة طويلا على كافة أطياف المجتمع المدني. ذلك إضافة إلى ضياع تركة ثقافية واقتصادية تمثلت بإهلاك وسرقة ودفن الكثير من المخطوطات والصكوك والذهب والمسكوكات النقدية.
والكتاب، الذي حصلت الوطن على مخطوطته المسلّمة للمطبعة، وعلى إذن مؤلفه بنشر مقتطفات منه، من المقرر توزيعه نهاية الشهر الهجري الجاري وسط ما يبدو أنها حالة ترقب واسعة لدى المثقفين والمهتمين بشأن المدينة المنورة الذين تنامت إليهم أخبار قرب صدور الجزء الرابع من كتاب طيبة وذكريات الأحبة متضمنا فصلا كاملا عن سفر برلك.
ورغم الحساسية العالية للحدث الذي يشعر أسلاف الأسر التي تعرضت للتهجير بأنه مس كرامتهم الإنسانية، حين تم جرهم ونسائهم وأطفالهم معاً أو متفرقين إلى عربات قطار الحجاز ليتم إلقاؤهم عشوائيا في العراق وتركيا والأردن وسوريا.
غير أن مرشد يفصح عن قوائم بالعائلات التي تم ترحيلها بالقوة الجبرية، والعائلات التي رحلت من المدينة المنورة في مرحلة التهجير الاختيارية، والعائلات التي بقيت في المدينة، كل ذلك بالأسماء والشهادات إضافة إلى تفاصيل أخرى ترتبط بالمناطق التي نزل فيها المهجّرون.
ويقول أحمد أمين مرشد، الذي يعتمد بالأخص على وثائق وتسجيلات صوتية وافق على منحها أرباب العائلات التي تعرضت للمحنة، نقلا عن آبائهم أو من ذاكرتهم أيام كانوا صغارا، إنه تأكد بصورة قطعية من عدم ممانعة هؤلاء وأسرهم في الحديث عن مأساة سفر برلك فيما تحفظ مرشد على أسماء آخرين أدلوا بشهاداتهم ورفضوا ربطها بأسمائهم.
ومازجا في مؤلفه بين أسلوب التحقيق التاريخي، ومساءلة الشهود، وبين الأسلوب الصحفي في عرض الوقائع والذي يستند إلى خبرة المؤلف وهو أحد أقدم الصحفيين بالمنطقة، يدفع أحمد أمين مرشد بكتاب يحمل طابع العزاء الحزين للضحايا، والإدانة القاسية للجناة.
سفر برلك كلمتان نزلتا على أسماع أهل المدينة كالصاعقة كلمتان خبأتا بين حروفهما الرعب المزلزل لأسر المدينة داخل بيوتهم المتحصنين بها خوفا من الخطف المباغت، ولم ينج من حممها إلا القليل وهذه الكلمة تعني الترحيل الجماعي حسب تفسيرها باللغة التركية.
لقد مرت على المدينة أيام قاسية تبعتها أشهر ثم سنة مريرة لجأ فيها الأتراك إلى استخدام كل الأساليب لإخراج أهل المدينة من دورهم ونفيهم إلى خارجها شاءوا أم أبوا بالقوة الإجبارية.
تاريخ أسود ونكبة حلت بأهل المدينة كان بطلها القائد العسكري للمدينة فخري باشا واسمه عمر فخر الدين بن محمد ناهد بن عمر كما أن هناك معلومة تقول إن ناجي كاشف كجمان عُين في حامية المدينة خلال الحرب العالمية الأولى وكتب مذكرات دقيقة عن المدينة أيام فخري وجنوده الذين بلغ عددهم خلال تلك الفترة عشرة آلاف جندي.
فمن كان مولده قبل عام 1334هـ أو بعده سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا أو شيخا مسنا لم يرحمه جنود فخري حيث كان الجنود منتشرين وبعدد كبير داخل أسوار المدينة الثلاثة وبين أزقتها وحاراتها ولم يسلم (حسب قول البعض) إلا من كان يسكن داخل الأحواش التي تتميز بقفل أبوابها المتينة ورغم ذلك فإن كل من حاول الخروج قُبض عليه ورُحل.. وتميز الجنود الأتراك حسب توصية قائدهم بالقوة والصلابة والشدة وعدم التهاون أو رحمة شيخ عجوز يبحث عن قطعة خبز أو امرأة تبحث عن ولدها أو شاب خرج بكل حيوية دافعه البحث عن لقمة عيش لوالديه وإخوانه الصغار..كان القطار يمتد كالثعبان من محطة العنبرية مرورا بالمناخة وحتى آخر شارع العينية يلتهم كل جسد بشري يمر من أمامه أو من خلفه.
الهدف من إنشاء سكة حديد الحجاز
كان الهدف من إنشاء السكك الحديدية لربط أجزاء الدولة العثمانية المترامية الأطراف كسياسة عليا للدولة أما في عهد السلطان عبدالحميد الثاني الذي قرر مده من إسطنبول إلى المدينة المنورة مرورا بالعراق وسوريا والأردن لخدمة حجاج بيت الله الحرام الذين كانوا يلاقون صعوبة كبيرة أثناء تأديتهم لفريضة الحج قبل إنشاء الخط، فطريق الحج العراقي حوالي 1300 كم وتستغرق الرحلة شهرا كاملا وطريق الحج المصري من سيناء حوالي 1540كم ويستغرق أربعين يوما، وطريق الحج الشامي يمتد 1302كم وتستغرق الرحلة خلاله أربعين يوما.
وكانت الدولة العثمانية حريصة أشد الحرص على سلامة الحجاج ذهاباً وإياباً لهذا فإنها لم تتردد في دفع رواتب وعطايا لوقف التهديدات المستمرة على قوافل الحجاج، ولم يشعر الحجاج بالأمان والسلام بشكل لافت إلا بعد أن تولى الملك عبدالعزيز آل سعود حكم بلاد الحجاز واستمرت هذه السياسة حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ومن ثم استمرت هذه السياسة لخدمة حجاج بيت الله في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وقد اهتمت الأسرة السعودية اهتماماً بارزا بمكة المكرمة والمدينة المنورة وإعداد كل ما يلزم لراحة الحجاج والمعتمرين القادمين من أقصى بقاع الأرض.
ومن أجل إقامة المشروع وجه السلطان عبدالحميد نداء إلى العالم الإسلامي عبر سكرتيره عزت باشا ولقي هذا النداء تجاوبا من مسلمي العالم الإسلامي وتبرع السلطان بمبلغ (320) ألف ليرة من ماله الخاص وتبرع شاه إيران بخمسين ألفا وساهم خديوي مصر عباس حلمي الثاني بكميات كبيرة من مواد البناء.
تشكلت لجنتان لتنفيذ المشروع الأولى في إستانبول برئاسة عزت باشا والثانية في دمشق برئاسة والي الشام وذلك تمهيدا لتتبع مد خط سكة الحديد على نفس خط قوافل الحجاج.
بدأ المشروع في شهر جمادى الآخرة عام 1318هـ، حيث بدأ العمل في منطقة المزيريب ثم إلى دمشق ودرعا بإشراف بعض المهندسين الأجانب من الألمان ماعدا المسافة التي بين العلا والمدينة فقد أشرف عليها مهندسون مسلمون.
عقبات واجهت المشروع
صادف المشروع عقبات كثيرة، كان على رأسها نقص المياه، وأمكن التغلب على ذلك بحفر آبار وإدارتها بمضخات أو طواحين هواء، وجلبت المياه في صهاريج تسير على أطراف الخط. ولمواجهة نقص العمال وتوفير النفقات استخدمت قوات من الجيش العثماني بلغ عددها زهاء 6 آلاف جندي و200 مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة. كذلك كانت السيول الجارفة إحدى العقبات التي شكلت خطورة كبيرة وحقيقية على الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل، لذلك قام المهندسون بإنشاء مصارف للسيول على طول الخط الرئيسي.
أما الرمال المتحركة التي تعرض صلابة الخط للخطر وتؤدي إلى انقطاع الحركة بتحرك الخط عن مكانه فأمكن التغلب عليها بتغطية منطقة الرمال المتحركة بطبقة من الصلصال، وبني سد حجري ضيق يمتد موازياً للخط الحجازي ليحول دون خطر تغطيته بالرمال المتحركة. أما مشكلة الوقود فتم استيراد الفحم من الخارج وأقيمت مستودعات ضخمه لتخزينه.
وفي عودة لأول الحدث فبعد أن كان أبناء الشريف حسين علي وفيصل على وفاق تام مع فخري باشا تمهيدا للقيام بثورة ضد السلطة العثمانية أو التركية للانفصال عنها كانت هناك مشاورات بين فخري والشريف حسين عن طريق ابنيه علي وفيصل وكان علي متواجدا بالمدينة في عهد حاكمها بصري باشا الذي كان يتضايق من تدخلات الشريف علي في بعض أمور السلطة وقد اشتكى بصري باشا الشريف علي إلى جمال باشا حاكم الشام وقام جمال بمخاطبة الشريف حسين وابنه فيصل الذي كان متواجدا في سوريا، ورحل علي من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة.
شارك في المشروع 6 آلاف جندي و200 مهندس وقد بلغت تكاليف الإنشاء 4.283.000 ليرة عثمانية، وكان العمل ينجز بطريقة سريعة حيث يكون الانتهاء من مد سكة الحديد في السنة الواحدة 182كم.
وبعد الانتهاء من ربط الشام بالمدينة أصبح القطار يقطع المسافة التي تبلغ 1320كم بين دمشق والمدينة في 72 ساعة زد عليها بعض الساعات التي تضيع بين وقوف القطار في المحطات وتغيير القاطرات.
خط سير سكة حديد الحجاز
تبدأ سكة حديد الحجاز بعد محطة مزيريب من (محطة دمشق) وتمر بعدد من المحطات في طريقها ومن أهمها: الديرة - عمان - جزا - عطرانة (القطرانة) - معان - غدير الحج - بطن الغول - مدوارة (المدورة) - تبوك - الأخضر - المعظم - الدار الحمرا - مدائن صالح (الحجر) - العلا - هدية. لتنتهي السكة بمحطة المدينة المنورة. وهناك محطات فرعية أخرى على امتداد طول السكة.
ويشار إلى أن المحطات الرئيسية تحتوي على ورش لإصلاح القاطرات ومبان خدمية للإشراف والحراسة والتمويل ومبان مخصصة لإسكان الحجاج والمسافرين وخزانات للمياه ودورات مياه.
خط سير ا لقطار من دمشق إلى المدينة المنورة
وقد تحصل الباحث على وثيقة قديمة من مكتبة آل هاشم بالمدينة مؤرخة في 20 يوليو 1328هـ بخط السيد جعفر هاشم مكتوب فيها بالتفصيل مسيرة القطار من دمشق أو من المزيريب حتى المدينة المنورة مفصلا فيها المسافة بين المناطق التي يمر فيها القطار وأسماء الهجر والقرى والأودية ومحطات الوقوف وزمن الوقوف والتحرك ونقل منها الباحث ما يلي:
وصل الخط من دمشق إلى درعا عام 1901م،حيث يمر القطار عبر سيره على المناطق التالية سواء صغيرة أو كبيرة ومنها محطات توقف هي:
من درعا إلى قم غارز 7 ونصف كم ثم نصيب 25 كم ثم مفرق 23 كم ثم سمرا 17كم ثم رزقا 19 كم ثم مدينة عمان 11كم، ومن عمان إلى قصر14كم ثم إلى لبن 11كم ثم إلى جيزه 19كم ثم إلى ضبعه 16كم ثم إلى خان الزبيب 14كم ثم إلى سواقه 16كم ثم إلى قطرانه 22كم ثم إلى منزل 18كم ثم إلى قريقرة 10كم ثم إلى الحسا 19كم ثم إلى جروف الدراويش 25كم ثم إلى عنزة 17كم ثم إلى وادي جردون 18كم وأخيرا إلى معان. ومن مدينة معان يتحرك القطار مارا بالقرى والهجر والمحطات التالية:
معان - غدير الحج - بئر الشديد - عقبة - وادي رتم - تل الشحم - رمله - مدورة - حارة العماره (حارة عمار) الحدود الحالية ومنها إلى ذات الحج - بئر هرماس - الحزم - محطب - وأخيرا محطة تبوك. ومن تبوك يتحرك القطار إلى مدائن صالح مرورا بـ: وادي أتيل - دار الحج - مشيقعة - أخضرا - خميس - دير سعد - المعظم - خشم صفا - دار الحمرا - مطالع - أبو طاقة- مبرق (مبرك) الناقة - وأخيرا مدائن صالح ومن مدائن صالح إلى المدينة المنورة ويمر على المناطق التالية:
العلا - بدايع - مشهد - سهل المطر - زمرد - بئر جديد - طويره - مدرج - هدية - جداعة - أبو النعم - عنتر أو ما يعرف بإسطبل عنتر _ بويره - أبيار نصيف - بواط أو بواطه - الحفيرة - مخيط وأخيرا محطة إستصيون المدينة المنورة التي تحتوي على مبانٍ بطول 600 متر وعرض حوالي 400 متر.
وقد وصل القطار إلى المدينة المنورة في باب العنبرية في 22 رجب 1326هـ. بينما وجد الباحث في مذكرات السيد جعفر حسين هاشم أن وصول الخط الحديدي (الشموندفير) في 16 رجب 1326هـ وفي عام 1329هـ وصل عدد ركاب القطار إلى 119000 ألف.
ويورد الباحث أسماء بعض مهندسي وسائقي خط سكة حديد الحجاز ومنهم:
1- أبو زبدي - مهندس ويعمل بين مدن الشام.
2- رشيد الغزي مهندس بين المدينة وتبوك.
3- عبده عبدالله زيادة مهندس.
4- حسن الخانجي.
5- يعقوب أفندي وهذا كان آخر سائق للقطار وصل إلى المدينة المنورة يحمل المؤن من الأردن في شهر ربيع الثاني عام 1336هـ.
6- محبوب علي سائق القطار رقم 105 وهو آخر قطار توقف عن سيره في 13 جمادى الأولى 1336هـ.
7- المهندس محمد فخري أفندي الذي قتل في محطة البوير 1327 - خلال هجوم على القطار..
من ذ كريات سكة حديد الحجاز
1. كان (السيد محبوب علي بن السيد فضل حسين)، المولود عام 1307هجرية المتوفى عام 1394هجرية، أصغر كابتن في سكة حديد الحجاز، ولم يكن هناك من يعمل سائقاً للقطار غيره من أهل الجزيرة العربية، إذ إن الباقين أتراك، نعم كان هناك (الشيخ عبدالمجيد خطاب) موظفاً في المحطة، وكان (السيد هاشم رشيد) مهندساً في المحطة أيضاً وكان أحد المهندسين المنفذين للمشروع، وكانت لديه مخططات المشروع محتفظاً بها أخذها منه الكاتب الرحالة (فؤاد حمزة) لأجل أن يستفيد منها في كتابته عن سكة حديد الحجاز ولكنه لم يعدها له، و(السيد هاشم رشيد) هو والد الشاعر(محمد هاشم رشيد)، وكان من النفر العاملين في سكة حديد الحجاز الوافدين على السلطان عبدالحميد العثماني.
2. أما عن الأعمال التي شغلها (السيد محبوب علي) في سكة حديد الحجاز فبدايتها أنه كان الذي يزود مقود القطار بالفحم، ثم إنه وخلال تلك الفترة القصيرة من عمر سكة حديد الحجاز ترقى حتى وصل إلى كابتن، فمسمى الوظائف التي شغلها هي كالتالي: (كمرجي، سرجي، أطاشجي، معاون كابتن، كابتن).
3. لاشك أن القطار كان طريق سيره في الحجاز شديد الخطورة، وقد انقلب القطار مرتين، مرة بسبب تخريب مفاجئ في موضع من السكة، وكادت رصاصة في هذه الحادثة أن تودي بحياة سائق القطار ولكنها أطارت بطربوشه لما أصابته، والثاني أثناء الحرب العامة.
4. عايش السيد محبوب علي أحداثاً جمة أثناء عمله سائقاً للقطار، منها السياسية والعسكرية والاجتماعية والإنسانية، فقاده القطار إلى زواجه بابنة (البنكباشي علي رمزي) الحاكم العسكري في نابلس إبان تلك الحقبة، وعايش على مضض أحداث (سفر برلك) الصعبة والمؤسفة، حيث كان أهل المدينة المنورة يُكرهون على الخروج منها وبالقوة، فقد كانوا يلوذون بالبادية أو ببعض المدن والأقاليم الإسلامية هرباً من الفتن والجوع، فكان المحظوظ من الأهالي من أقلّه القطار إلى مكان آمن، ومنهم من يضطر إلى قطع المسافات الطويلة على رجليه.
5. حين تعطلت سكة حديد الحجاز عن العمل بفعل الإنجليز إبان الثورة العربية الكبرى، أذن حاكم المدينة فخري باشا للسيد محبوب علي بالسفر إلى الهند حيث هرب أبوه إليها، ثم عادا جميعاً في زمن الشريف علي بن الحسين حيث فوجئ بنهب داره وجميع ماله في داره بالمغيسلة.