عندما تواجهك أغنية خالدة، فتّش عن حكايتها، لأن وراء كل أغنية خالدة في الزمان والمكان والإنسان –حتما- ثمة قصة جميلة هي سرّ خلودها، وأرجّح كونها فرصة لتأمّل أصدق تأريخ، إنه سبب ثبات قيمتها أمام تحولاتنا الفظيعة.
ولعل هذا ما يفسر حال الكثير من الأعمال الحديثة التي تذروها الرياح، أو هي كالعدم، إن صدق الوصف. إذ غابت عنها الكلمة المُلهمة التي تأخذ ملحنها ومطربها، إلى أجمل ما يمكن في المعنى، ذلك أن التزامهما بجمال الكلمة يضطرهما اضطرارا للذهاب نحو ما يليق بها من إبداع حقيقي.
ويأتي من رواد هذه الحكايات، وأحد أشكال مواساتنا في الواقع الفني الرديء، الفنان محمد منير، الذي لا يكاد يحرّكه نص، حديث أو من التراث، ما لم يكن حكاية جميلة في الأصل. ومن أعماله النوعية في هذا الاتجاه، مثلا: أغنية سو يا سو.. حبيبي حبسوه.. حكاية كل المصريين الذين ذهبوا للسؤال عن حبيب أو قريب اعتقل في سجون المحتل الإنجليزي المستعمر، واصطدم بإجابة العسكر المختزلة دوما في كلمة وحيدة وبليدة هي: سو –!SO..بمعنى وليكن؟!
أما الأنموذج الأجمل والأبقى، فسيدة الحكايات كلها.. فيروز، فيحكى أنها خلال زيارتها للقدس سنة 1964، قابلت سيدة فلسطينية في أحد الشوارع، كانت حريصة على التحدث إليها. وبعد أن أبدت حبها وإعجابها بصوت فيروز، حدثتها عن معاناتهم مع الاحتلال ومدى ولَه الفلسطينيين بأغانيها.. خصوصا أغنية راجعون. فبكت فيروز متأثرة بما سمعت، وقبل ذهابها أهدتها السيدة الفلسطينية مزهرية للذكرى. فكانت أغنيتها: مريت بالشوارع/شوارع القدس العتيقة/ قدام الدكاكين/ الـ بِقيِتْ من فلسطين/ حكينا سوا الخبرية/عطيوني مزهرية/ قالوا لي هيدي هدية/ من الناس الناطرين..