بائع البرسيم أصبح فيما بعد يبيع الأمان بالمجان، يقف الطالب الصغير ذو الجسم النحيل والقوام الضئيل بجانبه، ويحاوره بكل ثقة بصوت مطمئن، وقلب واثق وشعور متزن، لا ارتباك ولا خوف ولا توتر، وكأنما يقف إلى جانب والده الحنون، يستمد منه الثقة التي تغمر عقله المتوقد بالنور.
رغم إيمان المعلم سطام الشملاني بأن المعلم المخلص لن يصل إلى نهاية المطاف إلا وقد اُستُنزف ماديا وجسديا وفكريا، إلا أنه لم يكف يوما عن بيع الأمان مجانا.
عندما وصل الطالب «علي» إلى المدرسة كان يظن أن صف ثاني كصف أول، دروس لا تنتهي، وحصص لا تنقضي، وسيل من الكلمات تندلق على مخّه الصغير حتى أصابته بالتبلد والعطب.
ظلال والدته الراحلة عن الحياة، وصورة والده المحزون، شكّلا أمام عينيه طيفا من الدموع، لكن يد المعلم التي أحاطت بكفّه الصغير المرتجف، كتبت قصته الجديدة.
علي كان يرى حروف الهجاء طلاسم من زمن جديس وثمود، وتظهر الكلمات أمامه كغابات من قرون أو متاهات من دوائر وعيون، ونقاط متناثرة بلا نظام ولا قانون، تماما كما يرى الحياة بأكملها. وكان ذلك كافيا ليعتذر المعلم سطام عن طابور الصباح. لينفرد بـ«علي» في غرفة الصف، ويبيعه في بداية الأمر بضاعته المجانية: الأمان.
ثم يبدأ معه في صبر وحلم بتهذيب الغابات وإنارة المتاهات بمصباح الإخلاص الذي لم يخفت أو يخبو يوما.
قبل «علي» كان «سعد» يقتحم الفصل وكأنه يتمنى لو يملك رشاشا محشوّا بالذخيرة ليطلقه على الجميع. طفل برتبة ثائر، في عينيه الحادتين رواية قاسية، تحكي انفصال والديه بعد فصول من المشاهد المؤلمة التي التقطتها ذاكرته المزدحمة بالحزن والأسى.
لكن لم يكن ذلك كافيا ليمتنع بائع الأمان عن عرض بضاعته من جديد.
ليعقد صُلحا بين «سعد» وبين الحياة، عندما تخلى عن أوقات راحته ليخصصها لـ«سعد»، وقبل كل جلسة كان يبيعه الأمان بالمجان، حتى شعر الطفل الثائر بأن والديه عادا إليه في صورة معلم، عادا إليه متفقيَن متوافقيَن محبيَن.
كان العام أو الأعوام التي قضاها في الصف الأول مجرد أيام حشت قلبه الصغير بالألم والانكسار، حتى أدرك في الصف الثاني أنه يدخل المدرسة للمرة الأولى، ويقابل معلما للمرة الأولى، ولم تدم مقاومة الطفل العدواني الثائر لمحاولات معلمه لتعليمه مبادئ القراءة والكتابة سوى فترة قصيرة، حتى صف الطفل إلى جانب معلمه يحاوره ويكتب ما يُملى عليه بثقة متناهية لا يخالطها وجل، لينتهي العام و«سعد» في مقدمة المتفوقين، يستلم شهادة تفوقه، ويحتضن معلمه الذي باعه بضاعته بالمجان.
بائع البرسيم الذي كان يسعد بزحمة المشترين -في رحلة كفاحه العصامية وصراعه النبيل للاعتماد على النفس والاكتفاء بالذات- وهو طالب في كلية المعلمين، أصبح يشعر بالحرج من زحمة أولياء الأمور وهم يتسابقون ليفوزوا باختيار فصله لأطفالهم في مدرسة حراء بالجبيل الصناعية، لأنهم لم يجدوا بائعا آخر يبيع الأمان لأطفالهم بالمجان!.
رغم إيمان المعلم سطام الشملاني بأن المعلم المخلص لن يصل إلى نهاية المطاف إلا وقد اُستُنزف ماديا وجسديا وفكريا، إلا أنه لم يكف يوما عن بيع الأمان مجانا.
عندما وصل الطالب «علي» إلى المدرسة كان يظن أن صف ثاني كصف أول، دروس لا تنتهي، وحصص لا تنقضي، وسيل من الكلمات تندلق على مخّه الصغير حتى أصابته بالتبلد والعطب.
ظلال والدته الراحلة عن الحياة، وصورة والده المحزون، شكّلا أمام عينيه طيفا من الدموع، لكن يد المعلم التي أحاطت بكفّه الصغير المرتجف، كتبت قصته الجديدة.
علي كان يرى حروف الهجاء طلاسم من زمن جديس وثمود، وتظهر الكلمات أمامه كغابات من قرون أو متاهات من دوائر وعيون، ونقاط متناثرة بلا نظام ولا قانون، تماما كما يرى الحياة بأكملها. وكان ذلك كافيا ليعتذر المعلم سطام عن طابور الصباح. لينفرد بـ«علي» في غرفة الصف، ويبيعه في بداية الأمر بضاعته المجانية: الأمان.
ثم يبدأ معه في صبر وحلم بتهذيب الغابات وإنارة المتاهات بمصباح الإخلاص الذي لم يخفت أو يخبو يوما.
قبل «علي» كان «سعد» يقتحم الفصل وكأنه يتمنى لو يملك رشاشا محشوّا بالذخيرة ليطلقه على الجميع. طفل برتبة ثائر، في عينيه الحادتين رواية قاسية، تحكي انفصال والديه بعد فصول من المشاهد المؤلمة التي التقطتها ذاكرته المزدحمة بالحزن والأسى.
لكن لم يكن ذلك كافيا ليمتنع بائع الأمان عن عرض بضاعته من جديد.
ليعقد صُلحا بين «سعد» وبين الحياة، عندما تخلى عن أوقات راحته ليخصصها لـ«سعد»، وقبل كل جلسة كان يبيعه الأمان بالمجان، حتى شعر الطفل الثائر بأن والديه عادا إليه في صورة معلم، عادا إليه متفقيَن متوافقيَن محبيَن.
كان العام أو الأعوام التي قضاها في الصف الأول مجرد أيام حشت قلبه الصغير بالألم والانكسار، حتى أدرك في الصف الثاني أنه يدخل المدرسة للمرة الأولى، ويقابل معلما للمرة الأولى، ولم تدم مقاومة الطفل العدواني الثائر لمحاولات معلمه لتعليمه مبادئ القراءة والكتابة سوى فترة قصيرة، حتى صف الطفل إلى جانب معلمه يحاوره ويكتب ما يُملى عليه بثقة متناهية لا يخالطها وجل، لينتهي العام و«سعد» في مقدمة المتفوقين، يستلم شهادة تفوقه، ويحتضن معلمه الذي باعه بضاعته بالمجان.
بائع البرسيم الذي كان يسعد بزحمة المشترين -في رحلة كفاحه العصامية وصراعه النبيل للاعتماد على النفس والاكتفاء بالذات- وهو طالب في كلية المعلمين، أصبح يشعر بالحرج من زحمة أولياء الأمور وهم يتسابقون ليفوزوا باختيار فصله لأطفالهم في مدرسة حراء بالجبيل الصناعية، لأنهم لم يجدوا بائعا آخر يبيع الأمان لأطفالهم بالمجان!.