مخلد الظفيري

مخلد الظفيري

لقد أبهر السعوديون العالم الغربي، وفي عقر دارهم، وشهدت مختبرات الغرب الإبداعية تفوقا ملحوظا ونوعيا للسعوديين والسعوديات، وتناوبوا على دخول قاعات الكونجرس الأميركي مكرمين، وصفق لهم أعضاؤه بحماس وهم مندهشون من النتائج الإبداعية التي حققها السعوديون والسعوديات في مضمار الاختراعات العلمية، والتي كان منها تميز الدكتورة غادة المطيري، ومشاعل الشميمري في علم الصواريخ، والدكتورة خولة الكريع في مجال الأورام السرطانية. وفي أوروبا من أبنائنا مبرزون أيضا، ولا شك أن هذه الإنجازات البحثية والتي أقر المتخصصون أنها ستغير وجه الطب وغيره في العالم أجمع هي مثار فخار لنا.

ولكن المفارقة أن جامعاتنا تحتوي على عدد كبير من الدكاترة من الجنسين، والذين تعلم أكثرهم في الغرب وحصل على نفس مستوى التعليم، وهيِّئت لهم سبل التميز الإبداعي في جامعاتهم ولو جزئيا.. ولكن مع ذلك لم نسمع عن مخترعات خلاقة تسهم في خدمة البشرية، سوى براءات اختراع مسجلة ومحمودة هنا أو هناك، خصوصا في جامعة الملك فهد، لكنها لا ترقى لأن تكون عالمية تبهر الناظرين، وتضيف قيمة للرصيد الإنساني والاقتصادي والعلمي، فضلا عن أن تكون مساهمة في حل مشكلات محلية وشيكة ومهمة مثل علاج فيروس كارونا الفتاك الذي انتشر في السعودية في فترة مضت على سبيل المثال لا الحصر، فلم نجد مساهمة -ولو خجولة- من مراكز الأبحاث الجامعية لدينا رغم إلحاح المشكلة.

ولم تخرج لنا مراكز الأبحاث مادة أسفلتية ذات جودة تقاوم الحرارة العالية، وتمنع من انصهار طبقات الأسفلت وخسارة الخزينة مبالغ هائلة، ولم تستطع جامعاتنا أن تخترع تقنية لتحلية مياه البحر بتكلفة يسيرة لمعالجة بيئتنا وحاجتنا.. هذا في الجانب التقني أما في الجانب النظري فلم تسعفنا جامعاتنا الغارقة في النظريات بتميز خلاق في العلوم الإنسانية رغم توفر الإمكانات، فلم تصدر كليات الشريعة لدينا مقاربات جيدة في قضايا ونوازل مهمة، ولم تتبن منهج جدل ومناظرة متميزا، لصقل مواهب أبنائها في الدمج بين الأثر والنظر، ولم تلامس بحوثها الفقهية ومؤتمراتها مراجعات رصينة تعالج مشكلات تعانيها شعوب العالم الإسلامي، ولم يبرز منها مفتون أو باحثون ليفكروا خارج الصندوق، مع احترام النص والتراث مزجا بين المدارس القائمة، ولم نجد تحليلا علميا واجتماعيا للمدارس الفقهية القائمة.

وفي الجانب النفسي والدراسات الاجتماعية لم نر ما يبل ظمأ كبودنا من دراسات وبحوث تحلل جوانب مهمة من حياتنا، وتمنحنا فرصا للسلامة النفسية والأمن الاجتماعي.. وتشخص أمراض المجتمع المحلية، وتجري بحوثا نفسية واجتماعية ترصدها المجلات العلمية العالمية في مجالها، رغم الميزانيات المرتفعة والعناية الجيدة.

أما في اللغة والأدب فلم يتجاسروا أن يثبتوا لنا أن لهجتنا العامية هي خارجة من رحم الفصحى ويحق لنا أن نتحدث بأغلبها في المحافل الرسمية دون حرج اللحن! وينشأ عن كل ذلك استفهام مشروع لماذا نجح السعودي هناك ولم ينجح هنا؟

فتش عمن يحمل كرتونا مكتوبا عليه (دكتوراه) كمثابر اجتاز مرحلة، وليس مبدعا استحق لقبه بجدارة، مع ضيق أفق واهتمامات بديلة متدنية، إذ العلم شغف لا رتبة، ورغم قتامة جزء من الصورة هنا إلا أن هناك إنجازات خلاقة اخترعها المبدعون في جامعاتنا.

ولكن ورغم ذلك فأملنا كبير في رجل المرحلة الدكتور حمد آل الشيخ، وهو صاحب العقل النقدي والمقاربات الجريئة، والذي سيحقق -بعون الله- تطلعات الوطن المفعم بالرؤية السلمانية الملهمة، وسيعيد الأمور إلى نصابها وبجسارة.