في المجتمعات الغربية (المتقدمة) وعلى العكس من مجتمعاتنا الخليجية لا تتم الاستعانة بعاملات داخل المنزل، وإذا ما كان هناك حاجة فتتم الاستعانة بخدمات شركات متخصصة في التنظيف والغسيل فقط، ولساعات محدودة في الأسبوع
مع تنامي وتعقد وزيادة مشكلة وتكلفة الحصول على عاملة منزلية هذه الأيام، زاد إصرار العائلات السعودية على الحصول على عاملة بأي طريقة كانت وبأي تكلفة وصلت، وكأن هذا هو الحل الوحيد، نعم تقبل الوضع الراهن ودفع تكاليف مضاعفة والرضوخ لاحتكار ومغالاة مكاتب الاستقدام في السعودية والخارجية ليس الحل الوحيد.
ينبغي لنا كمجتمع سعودي نملك قيماً وثقافة تستند وتعتمد على الإسلام أولاً وأخيراً أن نعيد النظر في مدى وأهمية إدخال جسم غريب وغير سوي في عائلاتنا، إعادة التفكير في ما إذا كنا نريد أن يربي أطفالنا الغرباء، وعلى ماذا تربي العاملات أطفالنا، هل يربينهم على القيم الإسلامية، هل يعلمنهم اللغات والأدب، هل يعلمنهم الاعتماد على النفس، هل يربيهنم على الجدية والانضباطية، هل يؤهلنهم للاندماج في سوق العمل كمنتج وليس كمستهلك، هل يربينهم على العادات الغذائية الجيدة، هل يربينهم على ممارسة الرياضة والحركة، وغيرها وغيرها من الأسئلة، أما السؤال الأساسي والمهم لكل عائلة، لكل (أم) وأب، للمجتمع السعودي، وللوطن ومستقبل وأمن الوطن، فهو يتمحور بشكل رئيسي حول تحدي هوية ومسؤولية من يربي أبناءنا وبناتنا، هل تتم تربية بنات وأبناء المجتمع من قبل الوالدين، أم من قبل العاملات، أم من كليهم؟ نعم هذا هو السؤال المحوري الذي ينبغي لنا أن نبحث فيه ونتداوله، لأن الواقع يقول إن الذي يربي أبناءنا وبناتنا هم العاملات والسائقون، أو على أقل تقدير لهم دور أساسي في التربية، فالأولاد والبنات يقضون جل ساعات اليوم الواحد مع العاملات المنزليات، ويتحدثون أكثر الوقت، وخصوصاً الصغار، مع العاملات، ويأكلون الطعام والشراب من صنع العاملات، وينامون تحت إشرافهن، وغير ذلك من التفاعلات بين الأطفال والأولاد والبنات.
هل فكرت العائلات السعودية بحلول أخرى بخلاف الإصرار والاستمرار على الاستعانة بالعاملات، ماذا عن التخلص من العاملات الموجودات في منازلنا حالياً وليس فقط وقف الاستعانة بهن، العاملات والسائقون على حد سواء، لنعِ أهمية طرح مثل هذه الحلول الابتكارية الوطنية المخلصة، ينبغي مقارنة فوائد ومضار العاملات المنزليات والسائقين، فالفوائد خرافية وعملية، منها، حفظهم وحمايتهم من خطر الاعتداء الجنسي من العاملات والسائقين، اعتماد الأطفال على أنفسهم في اللبس والأكل والغسل والنظافة، وتعويدهم على ثقافة العمل، وحفظ الود والعلاقة العائلية بين أفراد العائلة الواحدة، بين الأب والأم والبنت والولد، دون وجود غرباء، وغيرها من النعم والمزايا المنسية بسبب وجود العاملات والسائقين. نعم، يمكن التخلص من العاملات والسائقين إذا ما أردنا، وإذا ما تضافرت جهود العائلة الواحدة، الأب والأم يداً بيد دون فوقية ودون تقليدية، ومعهما البنات والأبناء، لا نفرق بين البنت والولد أبداً فيما يخص الواجبات والمهام المنزلية، فيمكن تقسيم العمل بين أفراد العائلة كما يحصل في المجتمعات الحديثة، في أميركا مثلاً، فكل أفراد العائلة يتحملون مسؤولية أداء عدد من المهام المنزلية، بين الطبخ والغسيل والتنظيف، ولا يقع الحمل كله على الأم، فهو ظلم وتجن عليها، خصوصاً إذا كانت موظفة.
أما مضار العاملات المنزليات والسائقين فهي مشهودة كل يوم، والجميع يعاني بدرجة أو بأخرى، ما بين التأثير السلبي على الأطفال من التعامل مع عاملات غير متعلمات وتنقص بعضهن أو حتى جلهن مهارات التربية، فهؤلاء لسن أصلاً مؤهلات للتعامل مع الأطفال، فهن لا يملكن شهادات في حضانة وتربية الأطفال، ناهيك عن ضحالة تعليمهن وماضيهن، وأما حالات الاعتداء الجنسي والقتل وضرب الأطفال والهروب والابتزاز وسلب الأموال فاسأل عنها أجهزة الشرطة والمستشفيات. كما أنه لا يخفى على أحد ما تعانيه العائلات السعودية من عدم الإحساس بالخصوصية والاستقلال، فأفراد العائلة يحسون أنهم مراقبون طوال الوقت.
في المجتمعات الغربية (المتقدمة)، لا تتم الاستعانة بعاملات داخل المنزل، حتى مع مقدرة العائلة ماليا وغنائها، وإذا ما كان هناك حاجة فتتم الاستعانة بخدمات شركات متخصصة في التنظيف والغسيل فقط، ولمدة ساعات محدودة في الأسبوع، وأما إدخال غرباء غير مؤهلين للتعامل مع الأطفال أو صنع الطعام فهذا أمر محرم في ثقافة وآداب التربية في هذه المجتمعات. في المقابل، نجد انتشار العاملات والسائقين في المجتمعات الخليجية والاستعانة بهم في كل شؤون العائلة (وليس المنزل) من تربية أطفال وطبخ الطعام وتنظيف البيت ومرافقة الأبناء والبنات إلى السوق وغيرها من شؤون العائلة، كل هذه المهام من العاملات المنزليات والسائقين أصبحت ثقافة سائدة في المجتمعات الخليجية، والمجتمع السعودي ليس استثناءً، فمن التي على حق المجتمعات الغربية أم المجتمعات الخليجية؟
نعم هناك قصور وضعف في خدمات النقل العام ودور الحضانة، وهي خدمات أساسية ومؤثرة ومساعدة في تسهيل مهام ومسؤوليات العائلة السعودية، وبالتالي المساعدة بالتخلص من العاملات المنزليات والسائقين، ولكن، ينبغي على كل عائلة واعية، تؤمن بأمن ومستقبل أبنائها وبناتها – أمن ومستقبل الوطن – وتربيتهم التربية الإسلامية الصالحة، وتعليمهم التعليم المتميز، أن تتعاون بين أفراد العائلة الواحدة وتتخلص أولاً من العاملات المنزليات والسائقين، على أن تبحث وتعمل بكل جد واجتهاد على توزيع مسؤوليات ومهام إدارة الأسرة والمنزل بين أفراد الأسرة، نعم يمكن تحقيق ذلك.