خلال ثلاثة أيام في معرض الكتاب الدولي بالرياض تجولتُ بين الأروقة والوراقين، وغمرتني السعادة لما شاهدته من استمتاع أفراد الأسر السعودية والمقيمة مع بعضها أثناء تسوقهم، فالجميع مستمتع وهو يستعرض اهتمامه بالكتب أمام أفراد أسرته، يتبادلون الحوار والاقتراحات حولها، الأخ مع أخواته، والأم مع أبنائها والأب مع بناته بكل أريحية، حتى حقق المعرض مع ختام أيامه ما يقارب مليوني زائر، وأتوقع أن الرقم أكثر من هذا العدد بكثير، فيما المبيعات وصلت لما يقارب 25 مليونا تقريبا. لقد كان معرضا ناجحا بكل المقاييس، ولكن أيضا يقف خلف هذا النجاح جنود رائعون من رجال الأمن المنتشرين بكل مكان داخل المعرض، وحضورهم في دقائق متى ما تم الاحتياج لهم، وهو ما أشعر الزوار والزائرات بالأمان والطمأنينة، فهناك من يتكفل بأمنهم، وهم يتسوقون ويتجولون مع بعضهم، إلا أن منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانوا سببا مهما جدا من أسباب نجاح المعرض هذا العام، إذ برز اتزانهم وتسامحهم ورفقهم مع الجميع ببشاشة وجوههم ومعاملتهم بالإحسان واللين، وخاصة مع الزائرات والمقيمين الأجانب. لقد كنتُ فخورة بهدوئهم وابتسامة الكثيرين منهم وهم يقدمون المعروف سلوكا حضاريا للآخرين قبل أمرهم به. هذا ما كنّا نرجوه من منسوبي الهيئة سابقا وما طمحنا له دائما منذ سنوات ماضية. ولا شك أن المتعاونين السابقين مع الهيئة كانوا سببا من أسباب الإساءة لهذا الجهاز، وهنا برز أهمية قرار الدكتور آل الشيخ رئيس الهيئة ـ وفقه الله ـ الذي اتخذه في منع المتعاونين منذ أول يوم اعتلى فيه منصبه، ليتولى أمر المعروف أهل الجهاز نفسه من المدربين المتعلمين دون إساءة باجتهادات متطرفة لا تأتي بخير على الناس ولا الجهاز نفسه.
وبكل صراحة، لم أعتد امتداح موظفين يقومون بواجبهم، لأنهم يؤدون واجبهم الذي يتقاضون عليه أجرا، إلا أن واجبي هنا أن أمتدح وأتقدم بالشكر لمنسوبي الهيئة والمسؤولين فيها ممن عملوا بمعرض الكتاب هذا العام، لما لمستُه من تطور ملحوظ في رقي تعاملهم، وممارستهم للتسامح والإحسان والرفق مع الآخرين مما نص عليه الدين العظيم، وأقول ذلك من منطلق متابعتي لمعرض الكتاب منذ أول عام له، ولم يفتني عام من الأعوام الماضية، خاصة أني أُعتبر ممن انتقدت هذا الجهاز مرارا وبقسوة بهدف البناء لا الهدم، ولم أكن يوما ضده كجهاز، بل كنتُ وسأبقى ضد الأخطاء التي تصدر ممن يسيء بحق أي مواطن أو مقيم، فهم في نظري موظفو دولة مثلهم مثل موظفي التعليم والصحة والبلدية والأمن وغيرهم، وكل هؤلاء مكلفون بخدمة إنسان هذا البلد العظيم، وأمنه النفسي والجسدي والمادي هو خط أحمر، ومن يتجاوزه لن يكون فوق النقد أبدا.
أخيرا، أقول لرجال الأمن ومنسوبي الهيئة: كنتم رائعين.. بارك الله فيكم.