بما أننا في فترة الصيف، والسياحة الخارجية "شغالة على قدم وساق"، ولأني من المشجعين للسياحة الداخلية بجانب السياحة الخارجية؛ فقد بدأت بنفسي، والحمد لله.. زرتُ معظم مناطقنا وتعرفتُ على تاريخها واستمتعتُ بها حراً وبرداً، لأن مبدئي في السياحة هو "أن أعيش التجربة بظروف المكان بحلاوتها و مرارتها"، فهنا تكمن المتعة. وأعود إلى "سالفة" مقابر الأسود وهي مقابر لافتة للنظر كونها محفورة في أعلى جبل الخريبة وتعود للمعين الذين سكنوا المنطقة منذ 2700 سنة تقريباً، ثم اللحيانيين الذين سيطروا على المنطقة، وقد نُحتت على واجهاتها أسود، وربما نستغرب من أين جاء هؤلاء الذين سكنوا هذا الوادي بفكرة نحت "الأسود" ؟! هل كانت في الجزيرة العربية غابات تلك الفترة وبالتالي أسود؟! وربما أنهم شاهدوها خلال رحلاتهم شمالاً، كون المنطقة في أساسها محطة قوافل، وبقيت كذلك إلى أن سيطر الرومان على الأنباط وحولوا الخط التجاري البري للقوافل إلى خط سير بحري بحسب قراءاتي البسيطة عن المنطقة قديما، ومع ذلك أضع هذا التساؤل للمتخصصين: من أين جاءتهم فكرة نحت أسود على واجهات مقابرهم؟! وببساطة، إنك تمشي في "الخريبة" التي ما تزال تحت الاكتشاف والتنقيب والترميم ولجامعة الملك سعود قسم الآثار والسياحة مجهود واضح فيها، لأني زرتها في 2006م وكانت أشبه بخرابة من حجارة أثرية لبقايا مدينة أو قرية لحيانية سكنت المنطقة قبل 2000 سنة.
ولا أتحدث هنا لأني ممن عشقوا الحفر في التاريخ وأحبوا الآثار الإنسانية؛ بل لأن هذا التاريخ الممتد لآلاف السنين يزيدنا نحن السعوديين عراقة ومتانة ووطنية لأرضنا التي تزخر بحضارة العرب، وبجانب الإنسان القديم الذي سكنها منذ آلاف السنين، فالآن تجدون الدول الحديثة تصنع تاريخها ولو كذباً. وأتذكر حين كنت في جولة سياحية بواشنطن كيف كانت المرشدة السياحية تتحدث عن نصب تذكاري لا يتجاوز عمره ستين سنة وكأن عمره ألف سنة، فما بالنا بآثار تعود لآلاف السنين في بلادنا؟ ولكن هل سيبقى الاهتمام بهذه الأماكن والمناطق فقط على المستوى الرسمي والبحث الأكاديمي دون أن يكون هناك اهتمام لزيادة وعي المواطنين بآثارهم، وتشجيعهم على اكتشافها وزيارتها، والمساهمة في استثمارها لزيادة الدخل الوطني؟ فمع الأسف الشديد حين أسال بعضهم: هل زرتم مدائن صالح ؟! يجيبونني بـ"لا"، والأسوأ حين يردفون بـ"حرام زيارتها، لأنها ديار عذاب؟" ولا أعلم من أين جاء التحريم! وكأنهم لا يقرؤون القرآن الذي يدرسونه من الصف الأول الابتدائي وهو يقول لهم: "وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ"، بل كثير من السعوديين لا يعرفون ما هي مقابر الأسود! وكنتُ سألت أحدهم هل تعرفها فأجابني"لا .. هل هي موجودة في مصر أم الأردن"؟! هكذا بتنا نعرف عن آثار وتاريخ الدول المجاورة ولا نعرف عن الآثار في بلادنا شيئا! بينما هي من الكنوز. وأعود وأكرر "مدائن صالح " ومقابر الأسود" في العلا؛ وقلعة مارد في الجوف، والأخدود في نجران، وقلعة تاروت في القطيف، وغيرها هي أشبه بمتحف مفتوح تمثل نفطاً "حجرياً" لا ينضب أبداً، ويجب أن يستغل لاستثمار اقتصادنا الوطني خير استغلال.
غدا أكمل الحديث؛ فالآن في فمي "ماء"!!