تبين لهم أن من بين الأسباب قدومهم على هيئة ضيوف، وأن الدرع النحاسي الخشبي الذي رافقهم انتفت قيمته ومعناه في عصرنا الحاضر، وزاد الطين بلة انشغالهم «بالترزز» وفلاشات التصوير المربكة التي حظي المكرم بلقطة خجولة منها. ومجتمعنا السعودي الكريم يعلم أنه لا يوجد موظف مسؤول ورجل أعمال أو مواطن مبدع خدم الوطن وغادر موقعه إلا حظي بتكريم من الدولة -رعاها الله - ممثلة في إمارات المناطق وجهة عمله أو أسرته.
ولهذا أرى أنه حان الوقت لمراجعة أساليب التكريم التي يتبناها متطوعون كرام لتشمل في كل منطقة المميزين ممن لا زالوا على رأس أعمالهم في القطاعين العام والخاص، وكذلك الموهوبين من الطلاب والطالبات في التعليم العام والجامعي والمهني، أصحاب مشروعات الاختراعات الجديدة عالية الكفاءة بأفكار علمية لها أهميتها في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ولا بد أن تمتد مظلة التكريم إلى كوكبة من الرواد المبدعين من المثقفين والإعلاميين والفنانين والرياضيين والمعلمين والموظفين، غادروا بصمت وتركوا بصماتهم الخالدة، ولم يعد أحد يسمع عنهم أو يشاهدهم.
ربما خريف العمر كشر عن أنيابه وسبب لهم معاناة في النواحي الصحية والمادية أو الاجتماعية، لذلك هم أحق بالتكريم وإيصال احتياجاتهم إلى ولاة الأمر -حفظهم الله-، فوالله إنهم لن يتأخروا في الاهتمام بهم.
لعل أهل الفضل الذين حملوا مسؤولية شرف التكريم أن يلغوا فكرة الدروع والموائد والتصوير ومصاريف السفر وعدم تجمع كامل أعضاء المجموعة، والاكتفاء بحضور رئيس المجموعة وخمسة أعضاء لكل مناسبة تكريم بالتناوب.
والسؤال المهم ما الذي يمنع أن يكون التكريم ماديا مجزيا، مع تنوع بعض الحوافز المعنوية، مثل شهادة موقعة من أمير المنطقة، رحلة سياحية داخلية مدفوعة التكاليف، علاج مجاني لفترة معينة، بطاقات خصومات حقيقية للتسوق بمشاركة ودعم الشركات والمؤسسات والمستشفيات والأسواق المركزية والمعارض والفنادق والمراكز السكنية والبنوك والقرى والمكاتب السياحية، وبهذا نعزز من قمة الوفاء وتتألق قيمة العطاء ويورق ربيعا في القلوب أثر السخاء.
وأقدم هنا اقتراحا - سيكون لمنطقة عسير قصب السبق فيه إن تم تنفيذه - ويتمثل في عرض صور المكرمين والأسماء لمدة أسبوع على لوحات الإعلانات الثابتة والإلكترونية في الشوارع والساحات. وليس المطلوب أن نُكرم كل عام العشرات، بل يتم الاختيار والتدقيق من فريق عمل يبحث عن أولئك الذين لا زالوا على قيد الحياة، ويُدّرَس واقع كل حالة ومبررات التكريم والأعمال التي قدموها، وبذلك نبرز القدوة الحسنة للأجيال الصاعدة بطريقة مؤثرة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى فكرة جميلة انطلقت من أبها قبل سنوات بإشراف وتنفيذ أحمد نيازي وعبدالله شاهر، ولقيت قبولا وردود افعال طيبة من المجتمع المدني، حين لامست ملامح إنسانية مؤثرة جدا في هامش المدينة لا زال صداها إلى اليوم، فلماذا لا نعمل على تطويرها؟.
إنها مجرد ملاحظات قابلة للنقاش، تتمحور حول آلية صنائع المعروف ووفاء التكريم والخروج من بعض التقاليد القديمة والمكررة، والمجاملات غير المبررة، ولا أقصد مجموعة معينة من أهل الخير والفضل، ولا أُقلل من أي عمل اجتماعي نبيل يزيد من الترابط والمحبة بين أفراد مجتمعنا السعودي الأصيل وقيمه وشيمه وتقاليده العريقة المنبثقة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.